خديجة: معلمة هل تعرفين جلسة سقراط؟
أصالة: لا. ما هي جلسة سقراط؟ أخبرينا عنها.
خديجة: جلسة نطرح فيها الأسئلة المفتوحة والممكنة، سؤالٌ ينبثق عنه
سؤال آخر، في دورات كاملة بيننا نولّد الأسئلة، لنخلق إجاباتها.
أصالة: جميل، جميل. إذن ماذا لو غابت الشمس؟
خديجة: إنه سؤال غير فلسفي، وأعتقد أن له إجابة علمية.
أصالة: لكني لا أنظر إلى السؤال من هذه الزاوية، ما أقصده كيف ستبدو
الحياة بالنسبة لخديجة أو أصالة لو غابت الشمس ...
ثمّ تدفّق عليَّ وابل الإجابات والأسئلة من المشاركاتِ اللواتي أشرفت
عليهنّ، أو كما أحب تسميتهنّ، بناتي.
خديجة في نهاية المرحلة المتوسطة.
بعد انتهاء جلستي الأولى معهنّ، أدركتُ حجم الهوّة الصارخة بين ما
حدث وبين تغريدة كتبتها على صفحتي في تويتر قبل أربعة أيام( أكثر ما يزعجني في
انكفاء الأطفال والناشئة على الأجهزة الالكترونية، فوات خيارات وفرص حياتية عليهم.
كم تجربة جديدة ما عاشوها؟ كم علاقة أو تفاعل اجتماعي يثريهم ما انتبهوا له؟ كم
متعة أخرى محتملة( مع غير الأجهزة ) فوتوها؟ هذا العمر الواحد يقصر كلما ضاقت
مساحات المعرفة والتجربة والاكتشاف).
يقول باسل وأظنه في نهاية المرحلة الإبتدائية أو بداية المرحلة
المتوسطة عبارة مفادها (أنه هنا لتكوين الصداقات التي يمكن أن تثريه وتفيده في
تجربته القرائية أو في رحلة العمر)
فأجدُ أني موعودة بأيامٍ بالغة الكرم في عطاءاتها، لذيذة بمكتسباتها
مع ناشئة يعرفون جيّدًا كيف يكبرون بالتجربة قبل العمر، ويتمددون إلى حدِّ الآفاق
التي تؤطرها السعة.
فلّاح هذي الأرض عمري حنطتي
.. وبذرت أكثره حصدتٌ أقلّه.
أحمد
بخيت
أما أنا فأقف أمام فلّاحين يبذرون الأقلّ من العمر ليحصدوا الأكثر من
القيمة والمعنًى.
آية أيضًا جاءت إلى الملتقى الإثرائي بحثًا عن المعنى. آية في
المرحلة المتوسطة.
حسنًا. هل المعاني لا تكتملً بقدر مالا تكتمل الحكايات؟
هذا سؤال تبادر إلى ذهني أثناء المحاضرة الجميلة التي قدّمتها لنا
المبدعة في أدب الأطفال: أ. أروى
الخميّس، عندما جاءت مجندة حججها وحكاياتها في محاضرة(حكايات لم تكتمل) ومراهنة
على المساحات البيضاء في نصوص الكتّاب تلك التي يتركون من خلالها شقوقًا تسمح
بنفاذ تأويل القراء في تواطئ ضمني على المشاركة في حكي الحكاية، فدائمًا لدى
القارئ ما يقوله بقدر الكاتب على الأقل أو ربما على الأكثر.
ماذا عن مسلّمات القصص التي توارثها الجدات والأجداد وبثها الأدب في
وجدان المجتمعات جيلًا بعد جيل، ماذا لو كان مالا نعرفه عن قصة سندريلا وطرزان
أكثر متعة وإثارة مما عرفناه؟ ماذا لو بدأت القصة بعد نقطة النهاية؟ نعم تلك
الحكايا ناقصة وأكمل المشاركون والمشاركات ما استطاعوه منها، في جلسة ولّادة
للأسئلة ومالئة للفراغات
أشارك في هذا الموسم كرائدة إلى جانب رائدتين أخريتين. هند من جدة
عضو هيئة التدريس في قسم اللغة العربية، وجمانة الكاتبة والمهتمة بأدب الطفل من
سيهات وفوّاز معلم اللغة العربية، ومن هنا تبدأ حكايتي التي أعيشها لأرويها، ربما
تختلف عن حكايا المشاركين والمشاركات، لكني أؤمن أنها ليست أقل حظًا من الدهشة
والجمال أو ثراء من المعرفة والتعلّم.
هذا دون حساب الجلسات العفوية والطارئة التي تجمعنا بالأستاذ طارق
الخواجي أمين مكتبة إثراء والمشرف على مسابقة أقرأ، هذا الرجل المبارك الذي ما إن يبدأ
لقاؤك به حتى تستهلّ الأحاديث وتترامى أطراف الأسئلة ويتمدد بساط المعرفة من تحتك،
وفي نهاية كل جلسة أو لقاء تتسآل ما الذي لا يعرفه هذا الرجل؟! بارك الله له وفيه
وعليه.
يقول أستاذ طارق:أقرأ بحاجة العودة إلى القرّاء.
وقصد في حديثه إلى أنّ هذه المسابقة تكبر بمشاركيها وترفع سقف
معاييرها موسمًا تلوّ آخر، ودائمًا لدى القرّاء والقارئات ما يقدمونه ويضيفونه.
أنظر إليه بامتنان وأنا أستحضر من ذاكرتي مواقفًا من الخيبة عشتها في
المرحلة الثانوية بين عامي 2012 -2013، حين كانت مسابقات الموهبة و أولومبياد
الإبداع تقتصر على النماذج الفذة والنابغة من الطلبة في مجالات العلوم والهندسة،
فكانت المدرسة تشجعهم وتدعمهم وتفاخر بهم، وكنتُ أشعر بقلة حظي حينها لأني لا
أمتلك شيئًا أقدمه أو ميزة أمتلكها أو موهبة أتفوق بها مثل زميلاتي اللواتي يشاركن
في مثل هذه المسابقات. وكنت أعتقد حينها أنّ اهتماماتي الأدبية هي فضلة حظي العاثر
عليّ.
لكننا اليوم نقف على أعتاب مرحلة مختلفة تمامًا في جوهرها وفرصها،
يُقدَّرُ فيها أصحاب المواهب الأدبية كما يقدّّرُ أندادهم من أصحاب المواهب
العلمية، وهذا يعني استثمار حقيقي وفاعل ومثمر في الناشئة والشباب بمختلف أطيافهم
واهتمامتهم. ومن مثل مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي الذي أنحاز له بالعاطفة
وأدين له بالامتنان.
أخيرًا هنا أنا مُكلّفة بمجموعة من المهام التي تصب في صالح تعزيز المهارات
النقدية والمهارات اللغوية المرتبطة بالكتابة والإلقاء للمشاركات اللواتي أشرف
عليهنّ لكني لا أعوّل على هذا الدور بقدر ما أعوّل على دوري في تقليص مساحات القلق
والخوف التي تحجّم مساحات النمو والاستمتاع بالتجربة لديهن، فبقدر ما يتجاسرن على
المشاركة والتعبير عن ذواتهنّ و وجهات نظرهنّ، سيبدأن باختبار أفكارهنّ و وضع المسلّمات
أو الصواب الذي يعتقدنه على طاولة التفكيك والتشريح لإعادة بنائه وتشكيله لا كيفما
توارثنه ولُقنّه ولكن كيفما يؤمنّ به وينبعث من ذواتهنّ.
أليس مدهشًا وجميلًا أن أكون جزءًا من صناعة تجربة نوعيّة تساهم في
بناء الإنسان على هذه الشاكلة. بلى.
أنا سعيدة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق