أتأسّى باللغةِ حينَ أقرَأ الأدبَ وأصغِي للقَصِيدة.

السبت، 7 أكتوبر 2017

افتتاح آكام 3




عبّرت لي صديقة ذات مرة عن ضرورة مشاركة الأصدقاء حين تداعب أحد الأحلام خيالاتنا ، حين نقرر في لحظة عاصفة ترتيب أوراق الحياة المبعثرة بين أيدينا ، ولملمة شتات الأفكار والأمنيات.

لم آخذ الفكرة حينها على محمل الاقتناع تمامًا ، لكنني أومأتُ برأسي ربما مجاملة وربما على نحوِ ترك الفرصة لتجارب الحياة كي تثبت لنا ما قالته أو العكس ، بعد فترة ، جاءتني الصديقة وكأنها لا تريد لنا الانتظار ، فخلقت بنفسها أوّل تجربة مختلفة جاءت في مقام الاحتفاء بالأصدقاء ، في مقامِ المشاركة التي لا تقتصر على " العيش والملح " ولتكن الإنجازات والعثرات والنجاحات وأسرار المخاوفِ وما للثقة والإيمان من مساحات تجمع بيننا.

فكانت تجارب كثيرة أحدها " مشروع آكام " كبذرة أودعها الله بيدِ صديقتي خولة وعلى نحو ما شاء في أقداره كنتُ أنا وصديقات أخريات قائماتِ على ريّ تلك البذرة حريصاتٍ على نموها شاهداتٍ على لذة حصادها.

آكام كان حُلمها وحدها حلمًا باعدت المخاوف بينها وبينه قبل أن يُخلق كاملاً ، ثمّ ها هو اليوم يكبرُ موسمًا فآخر بسعينا جميعًا ، ويكون في عمرِ الكثيراتِ تجربة ، فريدة ، تختلفُ مكاسبها.
آكام هو مشروع نستهدفُ فيه الفتيات في المرحلة المتوسطة والصف الأول الثانوي ، لمساعدتهنّ في التعرّف على مسارات الحياة ( الروحي ، الاجتماعي ، الثقافي ، الصحي ، المالي ، المهاري ) من خلال مجموعة من الفعاليات المتنوعة والتي تُكسبهن القدرة على تحقيق النمو المتوازن في كل هذه المسارات واكتساب مهارة التعلم الذاتي فيها.

اليوم 17 / 1 / 1439هـ  كان افتتاحُ الموسم الثالث من آكام
ومذ بدأنا آكام بموسمه الأول غدت أصباحُ السبتِ أثيرة لدي ، كيف لا وهي ميعادي مع وجوهٍ طيّبة يطفرُ الحماس من عينيها ، مع أرواحٍ أشعر بقربها مني على نحوٍ لا أستطيع التعبير عنه بدقة ، غيرَ أن غاية ما أرجوه لها أن تحقق انتصاراتها العظيمة على نفسها ، وتنجو من مهالكِ الحيرةِ التي لا يفلتُ منها من أعجزتهُ مفترقات التّيه ، وأعيته أفاق العالم المتصاغرة بعينيه ، غير أنّ غاية ما أرجوه لتلك الأرواح أن تعيش تجربة مميزة وفارقة في رحلةِ العمرِ الممتد إلى أقصى ما تستطيع الوصول إليه حين تعرف ما تريد وتؤمن بالغاياتِ البعيدة ، القريبة.

آكام جمع أكمة وهي تعني " التل المرتفع " تم اختيار هذا المسمى لغرابته وجماله ورمزيته المتعلقة بالتميز على مستوى الأقران.

في افتتاحية الموسم الثالث اليوم اجتمعن والدات المشتركات برئيسة جمعية واعي للتوعية والتأهيل الاجتماعي د. فتوحة الأندونيسي والتي حرصت على تبصيرهنّ بفكرة البرنامج وأهدافه وكل ما يتعلق بمصلحة المشتركات ، أمّا نحن كفريق عمل فقد قضينا الوقت مع المشتركات الجميلات حيث تمّ التعارف بيننا في أجواء مرح ممتعة ، ثمّ حرصنا على تعريفهن بالبرنامج وأهدافه ، وطريقة العمل والانجاز في المسارات طوال فترة البرنامج ، واستضفنا مشتركتين  مميزتين من مشتركات الموسم السابق ( الشيماء الشهري ، منار الأحمدي ) حتى يستقين التجربة ممن عشنها وكيف أثّرت عليهنّ واستفدن منها.


أخيرًا آكام ليس لهنّ فقط آكام لنا نحن أيضًا كفريق العمل وربما ما نخرج به من آكام من ثراء التجارب والاستمتاع بها مع مرحلة عمرية هامة كهذه هو أضعاف ما نستطيع منحه لهنّ ، لذلك شكرًا لكلّ من لا يكون آكام إلا بها ، شكرًا للأصدقاء الذين نتقاسم معهم تفاصيل الرحلة بما يشقّ قبل أن يطيب على خارطة السعي وناصية الحلمِ و وسط شتات الأفكار.

الأحد، 1 أكتوبر 2017

نسيان


أمامي الآن إبر الأنسولين الخاصة بجدتي المتوفاة قبل ثلاثة سنوات  - رحمها الله - والتي أحتفظ بصورتها في هاتفي النقال وسط العديد من الصور المتكاثرة بسرعة مخيفة  ويعزّ عليّ حذفها أيضًا ، وتقع عينيّ على دفتر الذكريات الملقى على الطاولة والذي أحتفظ فيه بالكثير من الصور والكلمات القريبة إلي ،  وفي بعض رفوف مكتبتي هدية من هذه وأخرى من تلك ، وفي أسفل خزانة ملابسي ثمة بعض العلب والأكياس التي تحفظ وجوه أصحابها، وفي أجزاء متفرقة من غرفتي أحتفظ بأشياء كثيرة مماثلة ، غرفتي ذاكرة ! ذاكرة عصيّة على النسيان إلى حدّ ما.
عندما انتقلنا مؤخرًا إلى المنزل الجديد ، كان على غرفتي أن تتخفف ، كان على الذاكرة أن تفيض قليلاً حتى يكون هناك متسعٌ للجديد والمزيد.
فنسيت غرفتي أو على وجه أدق أنسيتها !

على الأقل غرفتي الذاكرة مطواعة،  أقرر لها متى تتذكر ومتى تنسى ، بماذا تحتفظ وعن ماذا تنأى ،  وهذا تحديدًا ما أفشل بفعله مع ذاكرتي هي عصيّة أيضًا لكنها قصيّة لا تطالها يداي العابثة. وهذا أكثر ما يرهقني ويُعجبني في آنٍ واحد.
تُرهقني حين أكرر محاولاتي البائسة في اجتثاث الأوجاع وتجاوز الخيبات و التخلص من البقايا ، التخلص من المفقودين وبقاياهم ، أولئك الذين تقرر الحياة نسيانهم وأخرون يقررون نسياننا نحن .
لكنها وفي لحظة مخاتلة تنسى ، تقرر لي أن أنسى !

في تلك اللحظة التي تبدو مستعدة فيها للتجاوز والمُضي ، للتعثّر بوجوه جديدة والامتلاء بما لم تعتد عليه كرائحة عطرٍ يحفظ قداسة اللقاء الأول ، وصوتٌ أثيرٌ تُربكني حتى أشباهه ، وهكذا تكرر الذاكرة دورتها على الدوام ، وأقبل ذلك منها.
ماذا لو نسيت قبل أن يحين الوقتُ المناسب ؟ ماذا لو تجاوزت قبل أن أتعثّر بالشخص المناسب ؟ ماذا لو مضيتُ قبل أوانِ حدوث ما يُدهشني ويُعجبني وأحب ؟

ماذا سأفعلُ بذاك الخواء الذي سيتمدد فيّ ، وكيف لي أن أسكت صدى الفراغ المتبجح ، أريد أن أمتلئ وأريدُ أن أنسى كيفما شاءت ذاكرتي لي ، وأريدُ أن أتعثر كيفما شاءت لي أيضًأ ، المهم ألاّ أفرغ وألا أتذكر.
أريد لرائحة عطر عابر طريق لم يقصد نبش الذاكر ؛ أن تربكني.
أريدُ لوجهه إذا ما التفتُّ مدفوعة بالحنين إليهم ، أن يصيبني بدهشة لقاء أول أشباههم الأربعين.
وأريدُ أن أمضي في الحياة بعينين مفتوحتين على اتساعهما ، تبحثان عن أكثر مما رأيتُ وعرفتُ وأتذكر ، والنسيان وحدهُ يضمن لي حياة حية كهذه.

تنسى ذاكرتي أحيانًا الأشياء التي تعجبني وتدهشني وأحب وهي إذ تفعلُ ذلك ، تجعلني أخفّ ثقلاً لأنّي بالتأكيد لن أحتمل الصداع الذي يمكن أن يصيبني إذا ما تذكرتُ كل اللحظات الجميلة على مدى 21 عامًا أو أقلّ قليلاً، إذ تنسى ذاكرتي فهي تمنحني فرصًا لا معدودة من الدهشة المتكررة ،وهي إذ تفعلُ ذلك ، أقدّر لها صنيعها الذي يجعل العالم حولي غيرَ مألوف ، لأكون في حضرته الطفل الذي يعتمد على حواسه الخمس فيرى ويسمع ويلمس ويشم ويتذوق ليفهم الحياة حوله ، ذاك الطفلُ الذي يعبّر عن انتصارات فهمه البسيطة بالنسيان وتكرار المحاولات.