أتأسّى باللغةِ حينَ أقرَأ الأدبَ وأصغِي للقَصِيدة.

الجمعة، 18 أغسطس 2017

الثراء في ملتقى الإثراء




إحدى أمنيات القراء المتكررة هي مقابلة الكتّاب ، كاتب مفضّل أو كاتب ذكي في طرحه أو مبدع في أسلوبه ولغته، أو كاتب يمتلك إجابات سلسلة التساؤلات التي تتخلّق فينا إثر قراءة نصوصه.
لكن ما الذي يحدث عندما تنقلبُ الآية ، فتتحقق الأمنية قبل أن تتمناها وتضعها في قائمة طويلة لا ضمان أو شروط ليستحيل ما فيها إلى واقع ، أن ترى الكاتب – قبل أن تعرفه - أمام عينيك ويحوم قريبًا منك في الأرجاء ، يتحدث فتُعجب بما يقول ، وتستمتع بما يطرح ، وتجلًّ منطقه في التفكير وتصفّق لأفكاره التي تُلامسك.
ثمّ تكتشف أنّه كاتب ولأنّك قارئ تلح عليك الآن حاجتك في أن تقتني كلّ كتبه ، وتقرأها في نفس الوقت وتناقشه في مضمونها وقد تطلبُ توقيعه كذكرى عظيمة تحتفظ بها ضمن أسرار مكتبتك تشهدُ على الأمنية التي تحققت قبل أن تكون أمنية.
هُنا تحديدًا أصفُ ما شعرتُ به بعد معرفتي للأستاذ محمد آيت حنّا المغربي كأحد الأساتذة القائمين على ملتقى أقرأ ، قدّم اليوم لقاء ثريًا عن علاقته بفعلي القراءة والكتابة من خلال طرحه لأفكار مؤلفه الذي يحملُ عنوان " مكتباتهم " والذي قررتُ فعلاً اقتناءه بعد انتهاء الملتقى لكن وببالغ الأٍسف لن أحظى بتوقيعه.
وهو يتحدث في الكتاب عن المكتبات الخاصة لبعض القراء كابن سينا والجاحظ وابن بطوطة وكيليطو وأفلاطون وغيرهم ويخلق فكرة جديدة استلهمها من نظام مكتباتهم ورؤاه الخاصة.
وقد أكّد الأستاذ محمد في دوره كقارئ على ضرورة حالات الانفلات التي تحدث لقارئ أثناء قراءته ، عندما تتعدد الأصوات والمشاهد في رأسه وقد تكون في غير سياق قراءته ، ويشبّه الأمر ، بفظاعة أن تشاهد فيلمًا فتكون منهمكًا بقراءة الترجمة كلمة كلمة وتركز في الأحرف حرفًا حرفًا ، فتضيع منك متعة المشاهدة وعيشها ، وهكذا يرى فظاعة أن تركز في النص المقروء بأحرفه ونقاطه وتشكيله وتتجاهل عوالم التأويلات والحياة التي يمكن أن تتجسد في ذهنك.

وفي حين دار في خلدك أن تستخدم  تلك العوالم المتخلقة في ذهنك لتمارس الكتابة ، كتابة خاطرة أو نص أو ربما قصة قصيرة.
لا داعي لأن تتخبط بين جدران حيرة البدء وترتاب من تساؤلات الكتابة ، ففي ملتقى أقرأ ، يحسبون كل شيء بدقة ، قليلاً ما يخطؤون في تبديد حيرتك أو إخماد وهج تساؤلاتك دون أن يدلوك على اتجاه الطريق في أقلّ تقدير ، وقد جاء بعدها الأستاذ خالد الصامطي كاتب القصص القصيرة ، ليحدثنا عن ماهيّة القصة القصيرة وعناصرها وتجربته في كتابة القصص ، وأجاب عن تساؤلاتنا فيما يخص هذه النوع الأدبي وفيما يخص ممارسة الكتابة.

ولأني لم أقم بالتدوين يوم أمس ولا قبله ، فسأطرحُ هنا نبذة بسيطة عما فعلناه في اليومين الماضيين.
بالأمس فُتح أمامي كتابُ التاريخ  الذي درسته منذ المرحلة الابتدائية وحتى الصف الثالث متوسط تقلبت صفحاته، وتذكرتُ إخفاقاتي المتتالية في تحقيق نتيجة مرضية في هذه المادة.
أعتقد لو كانت علاقتي مع التاريخ أفضل من ذلك ، لكنتُ أكثر استمتاعًا وفهمًا لرحلة الأمس التي ذهبنا فيها إلى مدينة الأحساء.
فكانت أول زيارة لنا في بيت المُلا = بيت البيعة وهو البيت الذي نزل فيه الملك عبد العزيز – رحمه الله – عندما قدم لمبايعة أهل الأحساء.
ثمّ ذهبنا للمدرسة الأولى في الأحساء التي أطلق عليها بعد ذلك بالمدرسة الأميرية نظرًا لكثرة الأمراء الذين درسوا فيها كالأمير خالد الفيصل وأحد إخوته ، ما كان يُميّز تلك المدرسة أنّ مدرسوها كانوا يقومون بهذه المهنة النبيلة دون مردود مادي وابتغاء وجه الله فقط ولمّا علم الملك عبد العزيز – رحمه الله – بأمرها زارها وقرر أن يلحقها بمدارس المملكة النظامية.
ومن الأمور التي تستحق الذكر أنّ راتب المدير فيها آنذاك كان 100 ريال والفرّاش 12 ريال وما بينهما الوكيل والمعلمون.
ثمّ ذهبنا إلى جبل قارة كأحد المعالم التاريخية السياحية الموجودة في المملكة التي يتراوح عمرها من 23 مليون إلى 5 مليون سنة ويرتفع بمقدار 225 مترًا فوق سطح البحر ، ومن الجدير بالذكر هنا أنّه يُمكن أن تعيش قصّة " علي بابا " ومغارة الكنز التي تواجد اللصوص فيها كحقيقة ، فالمغارة الموجودة هنا توفر إمكانية مثول الخيال كواقع ، بممراتها الضيقة وحجارتها المتماسكة والساقطة لتسدّ عليكَ الطريق ، غير أنّه لن تلدغك حيّة هنا ولن تفزع من كثرة الخفافيش ، فالمغارة خالية تمامًا من كل الحيوانات والحشرات.

أمّا فيما يخص قبل الأمس فقد كان الحديث بحضرة الأستاذ محمد القاسم عن الأكوان المتعددة واحتمالية أن يكون هناك نسخة أخرى منك في عالمٍ موازٍ آخر ، لها نفس قدرك وحياتك أو العكس من ذلك  والذكاء الاصطناعي والتعامل مع هواجس السؤال : ماذا لو تفوّقت الآلة على الإنسان الذي ما فتئ يبحث عن أسباب راحته وهنائه بصناعتها وتطويرها وبرمجتها ؟
ثمّ قدّمت لنا الأستاذة نورا النومان لقاء عن أدب الفانتازيا والخيال العلمي والفروقات في طرح كلٍ منهما في الساحة الأدبية فالفانتازيا مثلاّ هي الخيال المحض الموظف في الأدب والخيال العلمي هو ما يستند على أسس ومنطلقات علميّة بالفعل لكن بتوظيفها في سياقات الخيال ومستويات التطور فيه، وعبّرت عن كونها كاتبة فانتازيا موجهة لليافعين محاولة إثراء هذا المجال لما وجدت فيه من شحّ خلال تجربتها في اقتناء بعض الكتب العربية لأبنائها.

وأخيرًا إذا ما سُئلتُ عن مجال المعرفة التي أستقيها هنا سأجيب : أني آخذ من كل بحر قطرة ومن كل بستان زهرة ، ملتقى أقرأ يهبني المفاتيح ، وأقرر أنا البحث عن الأبواب واستكشاف ما خلفها.
كم تجربة كملتقى أقرأ يُمكن أن يعيش الإنسان في عمره الواحد ؟ وبما أني لا أملك الضمان في الإجابة.

أكتفي باعتقادي بأنّ العمر الواحد ، تُثريه تجربة ملتقى أقرأ واحدة، وها أنا بفضل الله أعيشها.

2 التعليقات:

الله الله يا أصالة حرفك، وصفك ممتع حد الترف، تحياتي لكِ يا مبدعة👏🏼

ٱكرمتيني بتواجدك في المدونة واطلاعك عليها ، شكرا سارة ، سعيدة بتعليقك 🌺

إرسال تعليق