أتأسّى باللغةِ حينَ أقرَأ الأدبَ وأصغِي للقَصِيدة.

الثلاثاء، 29 أغسطس 2017

التدوينة الأخيرة في أقرأ 2017



طالما كانت النهاياتُ إحدى مخاوفي ، أخاف آخرَ كل شيء ، اللقاء الأخير ، الكلمات الأخيرة ، الالتفاتة الأخيرة ، والعناق الأخير"

وها أنا أمسك بالصفحة الأخيرة من تجربتي في ملتقى أقرأ الإثرائي ،وأكتب التدوينة الأخيرة عنه وفيه،  الملتقى الحلم بذاته والبوابة إلى غيره من الأحلام .

الحُلم الذي اعترض طريقي فجأة دون تخطيط أو سعيٍ مسبق ، ولكنها هدايا الله وهباته ، تتفوق حتى على أقرب أمنياتنا وأكبر نطاقات خيالاتنا.

أُهدي هذه التدوينة إلى الحياة القصيرة التي عشتها هُنا إلى المرة الأولى من كلّ الأشياء ، إلى الأشخاص الذين لا يشبهون غيرهم والأوقاتِ التي مضت متعجلة قبل أن أمتلئ بكل شيء.

شكرًا لفريق العمل لكلّ فردٍ فيه ، لهم هم الذين كانوا يعتنون بأدقّ تفاصيل المكان حتى يبدو كل شيء بهيًا وزاهيًا ، يليق بأقرأ يليق يـ I read ، شكرًا على الروح الواحدة التي تفرّقت بينهم بنفس القدر من الحب والسماحة والتفاني في العطاء.

شكرًا لهم ثانية لأنّهم استطاعوا الحصول على " مصباح علاء الدين " كيف ومن أين لا أدري. لكنّه كان لديهم. أنا متأكدة

فقد كنّا في مواعيدٍ مختلفة مع الدهشة والمفاجآت ما تمنيناه يومًا وما لم نتمناه.

منذ فترة أفكّر في اقتناء حاسوب جديد واكتشفتُ وجود نفس الرغبة عند غيري من المشتركات ، فكانت دهشتنا الأولى هُنا أنه كان هدية استقبالنا فور دخولنا إلى غرفنا

تعبر إحدانا في حديث عابر - غير مقصودٍ تماماً - عن رغبتها في تواجد " مأكولات خفيفة " في الاستراحة ، لتفاجأ بوجودها في اليوم التالي حاضرة أمامها.

أركز في المحاضرة التي يقدمها أحد الأساتذة ثمّ التفتُ يساري فجأة لأجد أحد الشعراء الذين أهتمّ بما يقدمونه يدخلُ إلى القاعة فأًصاب بالدهشة

وفي نفس اليوم مساء يدخلُ أحد المثقفين الذين طالما تابعتُ أطروحاتهم عبر " اليوتيوب " إلى القاعة فأصاب بدهشة تحوّلهم إلى واقعٍ أمامي.

تصلنا فجأة رسالة نصية بضرورة تواجدنا في الاستراحة ، ننزل على عجلِ لنكتشف بأننا على موعد مع إحدى مدربات " اليوجا "ٍ

نسافر الأحساء في رحلة استكشافية تاريخية ثرية ، نذهب إلى جمعية الثقافة والفنون لنحضر عرضًا مسرحيًا ، يغيّر تصوراتنا عن الفن المسرحي بشكلٍ جذري

نتعرّف على مجالات عديدة من المعرفة ضمن  اهتماماتنا وخارجها الفنون والآداب باختلافها شعرًا ورواية وقصة قصيرة وموسيقى وسينما ومسرح وغيرها من الموضوعات كالفلسفة والعمارة والأسطورة والخرافة والفانتازيا والأكوان المتوازية والعوالم المتعددة ، فتتسع آفاق الحياة في أعيننا وندرك ضيق المساحات التي نقف فيها وعليها.

يُشرف علينا نخبة من الرائدات والروّاد المتميزين ، فضّلهم الله بتجارب حياتية وقرائية زاخرة ، ورؤى فكرية مختلفة وفريدة ، أمسكوا قناديل الطريق لنا طوال الرحلة ، وبهم ازاداد ثراء التجربة ، وتضاعف نمونا.

كانت هذه هي مرتي الأولى في التواجد في المنطقة الشرقية ، ومرتي الأولى في مقابلة العديد من المثقفين والمثقفات في لقاءات ثرية طالما تمنيتُ حضورها ، مرتي الأولى والفريدة في دخول مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي والوقوف على وسائط المعرفة التي سيبدأ نشاطها فيه، كانت مرتي الأولى في الذهاب إلى المكتبة برفقة صحبة تفهم طقوسي الغريبة في القراءة وفي اقتناء الكتب بل وتشاركني إيّاها ، صحبة لطيفة لم أحتج لوقتِ طويل حتى أِشعر بأني جزءٌ منهم ، أني وبشكلٍ ما أعرفهم منذ زمنٍ طويل وفي مواقف عديدة ، كنّا عائلة أٌقرأ 2017.

وفوق كل ذاك الثراء كان لكلٍ واحد منّا انتصاره الصغير الخاص ، منّا من تغلّب على خوفه في الصعود على خشبة المسرح ، ومنّا من استطاع التعبير عن أحد أفكاره بنصٍ كامل لأول مرة ، منّّا من استطاع أن يخلق علاقاتٍ جيّدة كثيرًا ما فشل في خلقها ، ومنّا من استطاع الخوض في حواراتٍ مختلفة والتعبير عن رأيه الخاص فيها فضلاً عن إحاطتنا بثقافات بعضنا البعض القادمة من مختلف مناطق المملكة.

اليوم هو يوم العرض النهائي لنصوصنا أمام لجنة التحكيم ، حاولتُ أن أبقى هادئة قدر ما أستطيع ، فإن كان ولا بدّ من حلول النهاية فلتكن كما أريد لها أن تكون ، رائعة وباعثة للرضا فيّ ، نزلت بالمصعد ، ومررتُ بالصالة ثم جلستُ في انتظار دوري بوجود أستاذة سارة وأستاذة عايدة وزميلتيّ أمينة وحفصة والأستاذ فايز ، خف توتري  بوجودهم وبكلمات أستاذ فايز الداعمة والواثقة ، حان دوري ، اتجهتُ إلى منصة المسرح ، ثبتّ اللاقط ، ألقيتُ السلام وبدأت ، ألقيتُ النصّ الذي انهمكتُ الأيام الماضية في إعداده ، النص الذي كنتُ أرغب كتابته منذ فترة طويلة ولم أجد فرصة مناسبة ، النص الذي يعبّر عن مروري بتجربتين إنسانيتين أثرتا فيّ كثيرًا وأردتُ التعبير عنهما ، وانطلقتُ فيه من عبارة سجلتها ذات مرة على هامش رواية " رام الله " لمريد البرغوثي فكتبت " ما الذي يعنيه أن يكون المكان مكانك وألاّ يكون كذلك ؟ "

فكانت هذه العبارة أمّ النصّ وابنته ، وبعد انتهائي منه واجهتُ أسئلة اللجنة ثمّ وأنا في طريقي للخروج كان انتصاري العظيم هو علامات الاحتفاء التي رأيتها مرتسمة في وجوه الرائدات والروّاد ، أكفهمّ الممتدة تقول : لقد أبليتِ بلاءً حسنًا.

شكرًا أستاذ طارق

شكرًا أستاذ فايز

شكرًا أستاذ فيصل

شكرًا أستاذ تميم

شكرًا أستاذ ياسر

شكرًا أستاذ نوري

شكرًا أستاذة مريم ، شكرًا أستاذة حنان ، شكرًا أستاذ عبد العزيز ، شكرًا أستاذة عايدة ، شكرًا أستاذة وضحى ، شكرًا أستاذة نوف ، شكرًا أستاذة لبنى ، شكرًا أستاذة شيماء ، شكرًا أستاذة منيرة ، شكرًا أستاذة أسماء ، شكرًا أستاذة ياسمين ، شكرًا أستاذة شروق ، شكرًا أستاذ عمر ، شكرًا حتى يبلغ شكري منتهاه بالدعاء بأنّ يجزيكم الله عني خير الجزاء.

شكرًا أستاذة سارة منذ اليوم الأولِ حينما كنتُ في مكة في غرفتي ثمّ فتحتُ هاتفي النقّال لأجد " مجموعة الواتساب I read المرحلة الجامعية " التي أنشأتها بحماسة حتى أستوعب أنّ الحلم غدا حقيقة واقعة ، منذ لم تسمحي بالحواجز بيننا أن تكون ، فلا أنتِ الرائدة ولا نحن القارئات الصغيرات وإنما أنتِ أختنا وكلنا معينٍ يستفيد من الآخر ، شكرًا على احتمالكِ المُحِب  لكلّ التّعب الذي أثقلتُ به عليكِ عند كتابة النص والتدريب عليه ، وعلى إنصاتك المهتم بهواجسي ومخاوفي ، شكرًا على الإيمانِ والثقة ، شكرًا لأنكِ كنتِ أجمل مما توقعنا والحمد لله عليكِ وأحبكِ 

وأخيرًا ها نحنُ نحزم أمتنعتنا الكثيرة بما جاد علينا به المكانُ هُنا ، أمتعتنا التي جئنا بها ، ومعارفنا التي اكتسبناها ، كتبنا التي اقتنيناها ، وانتصاراتنا الصغيرة التي حققناها

ونأخذَ كلّ الشيء إلا المكان ، إلاّ أشخاصه وأشياؤه ، نأخذ كل شيء إلاّ بعضنا ، هكذا نتبعثر ونعودُ من حيث أتينا وكأننا ما التقينا.

وها هي النهاياتُ تحلّ كأحد مخاوفي الأصيلة أتناول فطوري هنا لآخر مرة ، أغلق باب غرفتي لآخر مرة ، أمشي في الرواق حتى آخره لآخر مرة ، وأفعلُ الأشياء كلها لآخر مرة إلاّ الالتفاتة الأخيرة ، التي تُراكم الغصص في حنجرتي  والدموع في عينيّ أتجاهلها ، وأمضي ، أسرع في خطواتي ، وأهرب من كلّ ما يشدني إلى الوراء . وداعًا آلّ المكانِ سلامًا على أرواحكم وانتهى كل شيء



2 التعليقات:

وكأني كنتُ معكِ في تلك الرحلة، فعشت اللحظة والدهشة!، شُكراً لحرفك الساحر✨ مُوفقَة دوماً🌷

الحمد لله. سعيدة أني استطعت مشاركة التجربة حدّ أن أجد من عاشها معي واستمتع بها. شكرا لكِ سارة ، شكرا لوجودك القريب في إحدى تجارب العمر الأثيرة ، آمين وإياكِ يا رب ❤

إرسال تعليق