أتأسّى باللغةِ حينَ أقرَأ الأدبَ وأصغِي للقَصِيدة.

الاثنين، 14 أغسطس 2017

ملتقى أقرأ :أشخاصه وأشياؤه








" ما من جواب تستطيع أصابعنا الخمسة التقاطه " كانت هذه العبارة جزءًا من مقدمة الأستاذ طارق الخواجي التي ألقاها علينا كتحية ترحيبية في اليوم الأول من وجودنا في ملتقى أقرأ الإثرائي 2017.

وكأنه يعطينا سر المعرفة ومفتاح الوصول، وهو ببساطة أنّ لا شيء ثابت وموثوق ، كل شيء يمكن تهديد ثباته بالأسئلة ، كل شيء يمكن تأويله بالأسئلة ، كل شيء قابل لأن يكون كما أرى ، كما يرى ، كما ترى ، وبقدر ما نعرف !

وكأنّ العبارة التي قرأتها ليلة سفري قدرًا، كانت الشيفرة التي حملتها معي لفهم العالم حولي هنا ، حيث يقول فيها كارل ياسبريس " إنّ الأهم في المعرفة هو السؤال ، ويجب أن يتحوّل كل جواب إلى سؤال من جديد " فجعلتها تهويدتي كل ليلة.
نحن هنا في الدمام لخوض تجربة الملتقى الإثرائي وهو المرحلة الثالثة من مسابقة أقرأ في موسمها الخامس والتي تعد مبادرة لأرامكو السعودية – مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي ، تأهلنا كخمس وعشرون قارئة وثلاثة عشر قارئًا من مختلف المستويات الدراسية منذ المرحلة الابتدائية وحتى الجامعية.

نتواجد في الفندق الذي تمّ إعداد كافة التجهيزات اللازمة فيه لسكننا وراحتنا وعيش تجربة الملتقى ، حيث توجد القاعات في جهات مقفلة وخاصة من الدور الأرضي للفندق.
أحببتُ الاحتفاء الواضح بنا من الجميع هنا ، الكلَّ يمنحك ابتسامات الترحيب واللطف في كل وقتِ وحين ، الكل يُصغي إليك ويسعى إلى راحتك ، يسألُ عن نومك ؟ عن يومك ؟ ومستويات دهشتك وبهجتك ؟
شعورٌ بالألفة سريًعا ما تخلّق فينا كمشتركين ، ألفة إلى المكان وفريق المسابقة وبين بعضنا البعض كمشتركين.

المكان مجهزّ بكل ما يتعلّق بالمسابقة وبكل ما يمكن أن يخلق حالة الاستلهام لدينا ، بدءًا بشعار الموسم هذا " أقرأ .. العبور إلى الحياة " والتصميمات المختلفة المتميزة الموجودة حولنا ، كل مكان هنا هو مكتبة ، انظر يمينك ستجد كتابًا ، وانظر يسارك ستجد آخرًا ، والثالث ستجده أثناء مرورك من جهة المصعد إلى صالة الاجتماعات ، أخفض بصرك قليلاً حتى تنتبه للكتاب الموجود على الخشبة التي تم وضع إحدى شاشات العرض عليها ، الوجبات الموجودة كل وقت حتى أن الجوع الذي يتوفق في اصطيادي والتنكيل بي عادة ، يفشل في مهمته هنا وأنا محاطة بكل هذه العناية وهذا الاهتمام.

والآن دعوني أخبركم عن البعضِ هنا :
أستاذة منيرة و أستاذة لبنى الجميلتان اللتان كلما نظرتَ إليهما تجد في عينهما شكرهما وامتنانهما على وجودك هنا وكأنك صاحب الفضل لا هما ، أراهما حولي كلما التفت وكأنهما يطمئنان أننا على يُرام ،  سعيدون بما يكفي ، غارقون في أقرأ كما ينبغي ، كلما نظرتُ إليهما راودتني رغبة ملحة في أن أقول شكرًا للجميع هنا شكرًا لكما تحديدًا.
أستاذ عمر مقدّم الفعاليات ، وروحه الخفيفة المرحة ، التي لا نفلتُ بسببها من حيله المتعددة لإضحاكنا وكنّا فعلاً نضحك.

أستاذ طارق الخواجي الأب الروحي لأقرأ – كما وصفه الأستاذ عمر – لم يبدو لي مألوفًا إلى هذه الدرجة لا أعلم. سمته وقورة نظراته نظرات الأب المربي ، يحاول باستمرار أن يقرأنا ، يفهمنا ويتأكد أننا نحافظ على بريق تساؤلاتنا ، و وهج أفكارنا حاضرًا مع كل نقاش وفي كل فعالية.

أستاذ محمد القادم من بلاد المغرب والذي أنتبه إليه انتباهًا كاملاً كلّما تحدّث ، وأنا أكبّر في نفسي وأبارك موسوعيته الثقافية ، ورؤآه الفكرية النيّرة ، لم أستطع أن أحافظ على لجام فضولي وعندما سألتُ عنه اكتشفتُ أنه كاتب ومترجم ، وحاصل على الدكتوراه في الفلسفة ،فقررتُ الاستفادة منه قدر ما أستطيع.

عضوات المجموعة التي أنتمي إليها ، زينب طالبة التمريض والقادمة من الرياض ذات الوجه البشوش والضحكة الحاضرة ، لا تحتاج للبحث عنها لتعرفها ، فهي ما إن تتواجد في المكان ، حتى يقدّم لها المكان تحاياه الحارّة بما يتعلق بأفكارها وتساؤلاتها واحترامها للآخرين ، لا تترك أسئلتها معلّقة وتسعى بدأب لإيجاد الإجابات.

أمّا غدير خريجة إدارة الأعمال ذات اللهجة " الحساوية " اللطيفة والتي تعلق زينب على جمالها باستمرار ، يُدهشك نتاج صمتها ، فبقدر ما تفتقد صوتها حولك وفي الأرجاء ، ستكون متأكدًا بأنها حين تثبت وجودها ويحضر صوتها ، ستدهشك ، بفكرة أو تعليق أو وجهة نظر معينة تطرحها ،  ما الذي يحدث داخل عقلك يا غدير ! هل هي عمليات معقدة أو بسيطة في التعامل مع المعرفة ؟ هل ترهقك  ولذلك تصمتين كثيرًا ؟ أم أنك من فرط دقتك وعنايتك ، تكررين عمليات الصقل والتجويد والتحسين ؟ لتعبّري عنكِ كما تستحقين فعلاً.

وبالنسبة لنورة طالبة القانون ، التي أضمن لك أنك لن تملّ في أي جلسة حوار أو نقاش تدورُ بينكما  ، بدءًا بالحديث عن شغفها في القانون ، وانتهاءً بمواقفها الصارمة إزاء كل ما تراه وتعرفه وتتعامل معه ، لا تقبل الأمور معها التمويه ولا التميّع ،وبرغم ذلك كلما تحدثت وسمعت صوتها ، تتسآل: كيف يكون للصرامة والحزم وجهٌ أملس ولطيف ؟ اسأل نورة وستجيبك.
أخيرًا الأستاذة سارة مشرفة مجموعتنا ، المتفانية في مساعدتها وعطائها لنا ، الأخت والصديقة كما تحب أن نصفها ، نظراتها الواثقة فينا هي عصاتها السحرية لتخرج أفضل ما لدينا ، كل ضروبِ الإبداع بالنسبة لها ممكنة وحاضرة بين يدينا ، تقف في وجه العراقيل والمخاوف التي تعترض طريقنا ، لتحمينا مما نخافه وتؤكد بأننا قادرون جميعًا على أن نكون الفائزين.

هؤلاء ليسوا كل عائلة المسابقة ، وإنما صورة مجتزأة من الصورة الكليّة ، صورة تحاول أن تحكي لكم روعة الأشخاص الذين أشاطرهم المكان هنا.

من أين لي بتقويمِ أيامٍ لا تطوي صفحاتُه نفسها ،  لا تقوّض قدرتي على إيقاف الزمن حتى أمتلأ بالمكان وأشخاصه وأشيائه ، حتى أتزوّد بما يكفيني منهم لعمرٍ كاملِ قادم قد لا تتقاطع فيه الطرق ويعزّ اللقاء ويتلاشى كل شيء كأنه لم يكن ولم يحدث.




1 التعليقات:

شاكرين لكِ إطرائك، وشاكرين لكِ تواجدك معنا
هذه بعض الأبيات لأمير الشعراء أحمد شوقي عن الغربة:

بك يا زمان أشكو غربتي *** إن كانت الشكوى تداوي مهجتي
قلبي تساوره الهموم توجعا *** ويزيد همي إن خلوت بظلمتي
يا قلب إني قد أتيتك ناصحا *** فاربأ بنفسك أن تقودك محنتي
إن الغريب سقته أيام الأسى *** كأس المرارة في سنين الغربتي
قد كان نومي هانئاً فوق الثرى *** من غير شكوى أو عذول شامتِ
من غير هم بالزمان وكربه *** من غير تسهادٍ يشتت راحتي


إرسال تعليق