" أعتقد أنّ الكتابة ليست فعلاً سهل التطويع ، إلى حدّ أن
يكون زادك الوحيد فيه هو موضوع نهبك إياه لتقبض عليه بيديك ، وليست فعلاً سهل
التطويع حتى يتجلّى لك الموضوع بين طرفين ، بين استفهامين ، بين الدجاجة والبيضة ،
بين الشاعر والموسيقى.
فعلُ
الكتابة لا تطوّعه محاولاتك المستميتة ، ولا رغبتك الهزيلة ، فالكتابة هي احتشاد
مشاعرك وتدافع أفكارك ، هي ألا تجد حيلة تخفف وطأة هذا الاحتشاد والتدافع غير أن
تمسك قلمًا وتتدفّق على ورقة "
كان
هذا إحدى نصوصي لفقرة " لُقيا الصباح " الفقرة الصباحية التي يُعرض فيها
أحد النصوص الأدبية ، ويُطلبُ منّا التعليق عليه إمّا بالنقد مثلاً أو الإكمال أو
الرد أو كيفما كان توظيفنا للفكرة ، فالمهم أن ننجح في التغلب على بياض الورقة المُربك
، وأن تتمرس أقلامنا في سعيها من سطرٍ إلى آخر تواليًا خلال 10 – 20 دقيقة ، وأن
تكتسب أفكارنا لياقة التواردِ متى استدعيناها.
وأرى
أنّ لهذه الفقرة فاعليتها بالنسبة لي ، أنا التي لم أتصالح قط مع الكتابة تصالحًا
كاملاً ، أعقدُ معها فتراتٍ من الهدنة وحين أعتقدُ أنّ كلّ شيء يسير على ما يُرام
، وأنّ لهذه المدوّنة بين أيديكم أن تحصلُ على أمانِ إثرائها بين الفينة والأخرى ،
ثمّ وفي منتصف الطريق ، يسقطُ القلمُ على الأرض ، وأفقد لياقة الانحناء لالتقاطه ،
ويأبى بياض الورقة إلاّ أن يكونّ بياضًا فجًا غير قابلٍ للسعي ولا للمرور عليه. ثمّ
بكلّ بساطة تنتهي الهدنة.
ومن
الواضح الآن أنّ الهدنة في منتصفها ، وأضمن استمرارها إلى وقتٍ طويلٍ إلى حدٍ ما ،
بفضل تجارب الكتابة التي أخوضها في ملتقى أقرأ ، ففضلاً عن فقرة " لُقيا
الصباح " هأنذا أكتبُ التدوينة السابعة خلال شهرٍ واحدٍ بعد انقطاعي عن
الكتابة مدة سنة كاملة.
وهذا
لرغبتي في الحفاظ على تفاصيل التجربة بوجودي في أقرأ ، فذاكرة الورق لا تشبه
ذاكرتي العصيّة ، القصيّة ، ذاكرتي التي تقرر كثيرًا أن تحتفظ بانتصاراتي في أحلك
زواياها ، فأضيع قبل أن أستدلّ على الطريق ، ذاكرتي التي تغتالُ وجوهُ العابرين
اللطفاء متى احتجتُ حضور أطيافهم ليبددوا خيبتي بالبعض حولي ، ذاكرتي التي تقرر أحيانًا أن تحتفظ بأوجاعي
وهزائمي حاضرة لكن بعيدة حتى لا تطالها يدُ النسيان وتأخذها بذنب الوأد، تلك
ذاكرتي التي لا أثقُ بها ، أما ذاكرةُ الورق لا تخوننا أبدًا ، الأمرُ يُشبه كتابة
المذكرات ، كعادة تحفظُ عقودَ العمر الواحد المنبتّ ، وتجاربهُ الثريّة خيبة وبهجة
، حقيقة تثبتَّ للقادمين من بعدنا أنّا كنّا يومًا هنا.
أحبُّ
أن أكتب ، وأهابُ أن أكتب ، وأريدُ أن أكتب ، وأهربُ إذ جئتُ أكتب ، فرصة ثالثة يهبي إيّاها الملتقى حتى لا تكون أسطري مستقبلاً مضطربة كهذا السطرِ الذي لم يعرف
بعد موقفي منه ، أأحبه أم أهابُه ، أأريدهُ أم أرفضه.
فبعد
الغد سنسلّم نصوصنا النهائية التي سنقدمها في نهاية الملتقى كتعبيرٍ عن أكثر
الأفكار التي تنتمي إلينا ، عما نريدُ الإفصاح به أمام الآخرين ، كتبتُ نصًا أولاً
لم أرضَ عنه ، لُغته باهتة ، وخدوشه كثيرة ، فركنتُه جانبًا وبدأتُ من جديد ، أنهيتُ النص
الثاني ، ولا أدري كيف سيكون وقعهُ على الحضور ولجنة التحكيم ، لكن يكفيني أني
وضعتُ النقطة الأخيرة فيه ثمّ اتكأتُ على الكرسيّ وأومأتُ برأسي قائلة : تبدو
جيّدًا كفاية لتخرجَ إلى النور.
أخيرًا قالت رضوى ذات يوم تعبيرًا عنها ، وعني
" أكتب
ما لا يرضيني ، وما يرضيني يفوق قدرتي على الكتابة "
لا أعدُ أحدًا بأنني سأكتبُ دائمًا ، لا
أستطيع حتى أن أعد نفسي ، ستظلُّ علاقتي بالكتابة إلى أجلٍ غير مسمّى ، هي محاولاتي في أن أكتبُ سطرًا / نصًا واحدًا
أتخفف به وأرضى عنه.
2 التعليقات:
(أحبُّ أن أكتب، وأهابُ أن أكتب، وأريدُ أن أكتب، وأهربُ إذ جئتُ أكتب)👏🏼 أرجو أن ألا ينضب فيض قلمك✨
أرجو ذلك أيضًا ، ممتنة لتواجدك ، شاكرة ثقتك ❤
إرسال تعليق