" كلكم
شعراء " أنا شاعرة .. نعم ، كنتُ أعرف هذا منذ زمنٍ ، أعرفُ هذا عندما أكتب
أو أقرأ أو أقدّم برنامجًا ، أعرفُ جيّدًا أن لحظات الاختناق التي تمر في حياتي هي
المنفذ الأول حتى تتنفس الشاعرة فيّ.
لكني
كنتُ أواري سوأة هذه الخواطر المارّة ، حتى لا تفتضح سذاجتي في عالمٍ يُقرّ بالعقل
ومنطقه أكثر من القلب وعاطفته ، أما اليوم امتلكتُ جرأة الجهر بها ، لأنّ الدكتور
سعيد السريحي منحني الفرصة في ذلك و قال بصوتِ جهور و واضح ، كلنا شعراء ! كان هذا
عنوان محاضرة اليوم الثالث من الملتقى " كلكم شعراء ".
حيث
تحدّث عن الشعر كممارسة إنسانية تحدث كل يوم ، فمثًلا الأمّ المفجوعة في أحد
أبنائها شاعرة : فهي لا تستطيع أن تعبّر عن فجيعتها ، بكلمة رتيبة وبسيطة لتقول :
أنا حزينة. وكم يبدو الحزن باردًا أمام فاجعة كهذه.
لكنّما
شدّة الفاجعة ستجعلها تستخدم عبارات من قبيل : انفطر قلبي ، اسودت الدنيا في عينيّ.
قلبها
حقيقة لم ينفطر ، والدنيا حقيقة لا زالت بنفس ألوانها ولم تسودّ ، لكنه الإنسان
الشاعر في أكثر حالاته الشعورية شدة وأحلك مآزقه أو أعمق لحظات تخففه وتحليقه
وسعادته.
وحتى
يحضر الشعر نحتاج فقط أن يوجد الإنسان ويتجلّى الجمال.
فالشعر
نظرتُك التي فقدت بريقها ، والشعر رقصتُك في احتفال ما ، والشعر شوقك حين تحتضن
اللقاء ، والشعرُ طفلكَ وهو يحاول حفظ الأسماء ، والشعر فرحتك ولهفتك وبؤسك وشقاؤك
ونعيمك.
وكم
كنتُ مفتونة بكل ما كان يقوله الدكتور سعيد وهو يدغدغ فيّ قداسة الشعر لديّ ، وهو
يمنحني الحق في أن أكون شاعرة ، أنا التي لم أنظم في حياتي بيتًا واحدًا ، أنا التي
تكلل خيبة التعبير لحظات استغاثتي باللغة أحيانًا. شكرًا دكتور على كلِ ما قلته
وكلّ ما أرويتني به شكرًا لأنك قلتَ عبارتين لا زالتا ترنان في أذني ( الشعر يقف
بيننا وبين ما يخالط الحياة من قبح ) ، ( الشعر هو مقاومة الإنسان للموت ).
والآن
أذكر صوت الأستاذ عمر وهو يقول لنا بعد انتهاء المحاضرة : اصعدن إلى غرفكن واحزمن
أمتعتكن ، حتى ننطلق جميعًا إلى أجمل مكان في المنقطة الشرقية ، ويبدو أن مشاركي
أقرأ بدؤوا يفهمون قواعد اللعبة ويسبرون أغوار المفاجآت ، ويعدّون استنتاجاتهم
الصائبة ، لكنهم لم يستطيعوا بعد أن يحجبوا أنوار الدهشة عن أعينهم ، أدركتُ ذلك
وأنا أسمع تكرار كلمة " وااااو " من الجميع منذ وصولنا إلى أجمل مكان في
المنطقة الشرقية ، منذ وصولنا إلى مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي وحتى
خروجنا منه.
ولتكن
فاتحتي في الحديث عنه الآن " وااااااو "
واو:
ونحن نسمع الأستاذة نوف حين أخذتنا في جولة ابتدأتها بعبارة ، انظروا إلى
الأعلى ، لو تم إخراج أنبوب واحد من
أنابيب السقف سيصل ما بين مدينتي الدمام والرياض.
واو:
ونحن ندخل مكتبة المركز المكوّنة من 4 أدوار لكلٍ منها قصة وحكاية ففي الدور الأول
مثلاً تقدّم خدمات القراءة والتعلم للأطفال بغرف خاصة مغلقة وأخرى مفتوحة ويوجد
متحف للطفل هو الأول من نوعه.
واو
: ونحن نسمع الأستاذ طارق الخواجي حين قال أنّ لدينا شاشة بانورامية نادرة في
وجودها في المكتبات حول العالم ونضع الكتاب عليها فتنبثق حكايته ماثلة أمامكم ، من
سبقت له مشاهدة فيلم العصور الذهبية للمسلمين سيعرف ما أعنيه.
واو
: وهو يقول لنا أن هذا الدور – الدور الثاني – يسمى بالفضاء الاجتماعي ، حيث تُكسر
فيه القاعدة المتعارف عليها في المكتبات
(
هدوء / الرجاء عدم الإزعاج ) وهنا منطقة للأكل وشرب القهوة وهناك منطقة للنوادي
والمجموعات القرائية ، ثم يشير إلى بعض الصناديق الزجاجية ليقول : أنها ستحوي
الكتب العالمية التي توجد بنسختها الأولى والنادرة.
واو
: ونحن نرى الشاشات الذكية وأرفف المكتبة الفريدة في تصميمها والمقاعد المتعددة
والمميزة.
تسألُ
إحدى المشاركات الأستاذ عن موعد افتتاح المكتبة ليقول الأسبوع القادم سنبدأ برصف
الكتب وتجهيز المكتبة وسيكون افتتاحها بداية السنة الميلادية الجديدة.
يتحسّر
البعض لأنه يقطن في الرياض ولا يقطن في المنطقة الشرقية ، فقلتُ لهن بكل حزن : ما
حيلة من يقطن في المنطقة الغربية إذن !
فهذه
المرة الأولى التي أزور فيها المنطقة الشرقية ولا أدري إن كانت ستتكرر زيارتي خلال
السنوات المقبلة.
وبعد
انتهاء جولتنا أطلقنا الوااااو الأخيرة حينما دخلنا إلى قاعة السينما ذات الكراسي
الملونة في مدرجاتها ، جلسنا وتمّ عرض فيلمين سعوديين قصيرين حصريين علينا.
الأول
كان بعنوان : لا أستطيع تقبيل وجهي.
والثاني
بعنوان : فضيلة ألاّ تكون أحدًا.
قراءتي
للفيلم الثاني هي كالآتي:
-
الغرباء
هم سطر خاطرة فاضحة لهواجسك لوجعك أو ضعفك أو رفضك أو غضبك ، بعد أن انتهيت من
كتابته ، قررتَ مسحه تمامًا وكأنك لم تكتبه ، الآن لا دليل يُدينك ولا تهمة ستُلقى
على عاتقك.
لأن الغرباء هم عابرو الطريق ، الوجوه التي نراها
ثمّ لن نراها ولذلك لا يُريبنا معهم البوح ولا الإفضاء.
ماذا لو قررتَ أن تبوح بوجعك أو ضعفك أو رفضك أو
غضبك أو هواجسك ، لشخصِ يعرفك جيّدًا ، خطورة الأمر تكمن في أنّه سيكون سطر خاطرة يستعصي
على الحذف والإلغاء ، لن تُفلت من قيود الإدانة ، فأنت قد اعترفت والاعتراف هو سيد
الأدلة.
-
أتذكر
آخر شخصٍ غريب جلس بجانبك في صالة انتظار أو مقعد طائرة أو قطار ، أتذكر كل القصص
التي أفضى إليك بها أو ربما أوجاعه التي تلاها عليك ، أعطني دليلاً واحدًا يُثبت
أنّ كل ما قاله لك هو تجربة قدّ مر بها شخصيًا ولم يكذب عليك بقصة شخصٍ آخر
انتحلها هو لأي غرض في نفسه وأخبرك بها على أنه صاحبها.
حسنًا ما الذي يعنيه أصلاً أن يكذب الغرباء علينا
أو يصدقوا معنا ؟ طالما أنّ ما قالوه هو تجربة إنسانية إن لم تكن لهم فحتمًا قد حدثت
مع غيرهم.
هكذا قرأتُ الفضيلة التي أشار إليها صاحب عنوان
الفيلم " فضيلة ألاّ تكون أحدًا "
وأخيرًا
نهضنا من على مقاعدنا ، إيذانًا بموعد الرحيل ، ماذا حدث عند الخط الفاصل في بوابة
المركز ، الخط الذي لفظ أرجلنا اليُمنى أولاً خارجه وفي حين حاولت أرجلنا اليُسرى
أن تثبت نفسها داخل المركز ، لفظها هي الأخرى ، تقطبت الحواجب وانكمشت الوجوه ، هل
كان السبب فعلاً حرارة الشمس ولهيبها أم كان تعليقًا أبديناه حتى نواري حزننا من
انتهاء هذه التجربة. انتهى اليوم الثالثُ هنا.
ملاحظة
: تقضم تدوينتي حق المركز في وصفه ، لذلك اطلعوا على الموقع الالكتروني الذي يخصه
، حتى تدركوا حجم القفزات الثقافية و المعرفية التي تحدث لدينا.
1 التعليقات:
ياه يا أصالة.. استمتعت بقراءة حروفك و أثارت الشجون..
و استمعت أكتر بالتجربة اللي نفسي حقيقي أجرّبها وأثارت فضولي مقتطفاتك السنابيّة لها.. امتعينا يا أصالة بحروفك دائما، إيّاكِ توقَفي! حزعل منّك!
إرسال تعليق