كانت ساعة واحدة فقط ، ساعة سريعة ومدهشة ، لم
تكفني لأتلمس كل شيء لأتأكد من حقيقيته ، اكتفيتُ بامتصاصه عبر بصري وها أنا أكتب
مستعينة بما علق في ذاكرتي البصرية التي لا زلتُ أسألها إلى الآن هل كان كل ذلك
واقعًا ؟
بدأ الأمر منذ اتصال مشرفة المسابقة على هاتفي
المحمول لتهنئتي بترشيحي إلى المرحلة الثانية من مسابقة أقرأ 2017، وإعلامي بموعد
ومكان عقد المقابلات الشخصية ، باستثناء السعادة اللحظية التي شعرتُ بها عند
تهنئتها ، بعد ذلك غدا كل شيء عاديًا ولم آبه كثيرًا ، إلى أن جاءت ليلة الذهاب
إلى المقابلة التي لم أشعر فيها بأي نوع من الحماسة أو الاهتمام ففكرتُ وعلام خوض
تجربة أبدي تجاهها هذا الكم من اللامبالاة ! وبين شدّ الأفكار وجذبها ، قررتُ
الذهاب بتلقائية تامة ، وحين وصلتُ إلى الفندق واستقبلنا أحد الأعضاء القائمين على
المسابقة ، وأعلمنا بضرورة توقيع بعض التعهدات ، حينها فقط بدأت مشاعر الحماسة
تجاه تجربة جديدة ثرية بالتدفق داخلي ،وكأن لامبالاة الأمس كانت قرارًا اتخذته
لأحتفظ بكلّ مشاعري إلى وقت خوض التجربة حتى لا أستنفذها وتحضر كاملة، صعدنا إلى
الأعلى أنا وباقي المرشحات مع إحدى المشرفات ، وجّهتنا لدخول غرفة امتلأت بالمشتركين
والمشتركات في حضرة مشتركتين لهما تجربتهما السابقة في المواسم المنصرمة من
المسابقة ، حيث أنهما كانتا تطرحان بعض الأمثلة للأسئلة التي يمكن أن تُطرح علينا
، وتشرحان مراحل المسابقة مما خفف التوتر البادي على وجوه الجميع ، وأثناء
الانتظار تعرّفت على أحلام المشتركة التي كانت بجانبي والتي جمعتني بها صدفة أن
نكون من نفس الجامعة ونفس الكليّة وهذا الخيط من الانتماء إلى مكان واحد سرّع حضور
الألفة بيننا وتداول بعض الأحاديث وتشارك شرب " الكابتشينو " إلى حين
حضور المشرفة مجددًا باحثة عني ، أصالة ؟ أين أصالة ؟ نعم إنها اللحظات التي يشكل
فيها وقع اسمي على أذنيّ جرس إنذار يؤذن بقرب ساعة الصفر والإثارة.
ذهبتُ معها وقبل دخولي إلى غرفة ثانية سألتني
أمستعدة ؟ فقلتُ لها كمن أمضت ليلتها كاملة في الاستعداد لهذه اللحظة – ولم أفعل
ذلك طبعًا – نعم مستعدة ، فتحت لي الباب ، دخلتُ ، انبثق النور وبدأ كل شيء ...
جلستُ على طاولة وكرسي في مقابل 4 أساتذة كرام من
اليسار أستاذتين وأستاذين ، ومصورين أحدهما يستخدم " الكاميرا " الواقفة
والآخر يلتقط الصور بين الفينة والأخرى ، وفي حين أنها كانت المرة الأولى التي
أكون فيها القِبلة الوحيدة في حضرة " الكاميرا " أنا التي سمعتُ مرارًا
عن رهبة تلك اللحظة وهذا التركيز القادم من عدساتها لم أكن منتبهة لها إلى هذا
الحد في حضرة الحوار الماتع الذي كان قائمًا بيني وبين الأساتذة ، بدأت الأستاذة
التي تجلس ثانيًا من اليسار في توجيه أول سؤال " عرّفي بنفسك يا أصالة
وعلاقتك بالقراءة "
حضرت اللغة حضورًا يعرفُ مكانه جيّدًا ويحترم ميعاد
حلوله ، عرّفتُ باسمي وتخصصي ومشاركتي التي استخدمتها في التسجيل في المسابقة ،
وانتقائي لذاك الكتاب تحديدًا ، تحدّثتُ وتحدّثتُ حتى بان في حديثي ذاك الانتماء
العميق لعائلة البرغوثي وكان هذا تعليقًا من أحد الأساتذة عليّ ، وفجأة وجدتني
أتحدّث عن الشعر ، عمن أقرأ لهم بدأت بالشاعر السوداني محمد عبد الباري ، حينها
فقط ومن نظرة الانتشاء الواضحة في عين آخر الأساتذة من اليمين أدركتُ أنه ذو أصول
سودانية ، وكأنه كان يقول : نعم هذا ابننا.
وتحدّثت عن ابنهم وعن أحمد بخيت عن قصيدة مالم تقله
زرقاء اليمامة للأول وعن قصيدة رام الله للثاني ، كانت بهجتي حاضرة بقوة في كل ذلك
، كنت أعيش أحد خيالاتي ، كم تمنيتُ أن أكون أحد المشاركين في مسابقات الشعر أو
اللقاءات الثقافية المعروضة على شاشات التلفاز ، أن أكون في حضرة من يفهم اللغة
والشعر وفلسفتي حول الإنسان والنصوص التي أقرؤها ، ويشاركني كل ذلك. هناك وفي ذاك
الحوار حدث كلًّ هذا ، كانوا منتبهين إلي، يسمعون ويستمعون ويسألون ويبتسمون
ويطرحون تعليقاتهم بلطفٍ تام ، لم أكن في حضرة التقييم وإنما في حضرة أحد الأحلام
.
سُئلتُ عن :
-
مجالات
قراءاتي.
-
مريد البرغوثي
الذي كان حاضرًا في مؤلف أثقل من رضوى لزوجته رضوى – كونه الكتاب الذي شاركتُ به
-.
-
رأيي في
العلاقة بين النتاج الأدبي وبين صاحبه فيما إذا كان أحد الذين ينتهكون قيم السلام
والإنسانية.
-
أقرأ شعر من ؟
ورأيي في أطروحات الشاعرين محمد عبد الباري وأحمد بخيت وإلقاء كل منهما للقصائد.
آخر سؤال بدر من الأستاذة التي كانت
تجلس أولاً من اليمين قالت لي : بما التمستُ فيك من روح الكاتبة يا أًصالة هل
تكتبين ؟
كان سؤالها محرجًا ومؤلمًا لكني
أجبت :
لا أرى أني كاتبة وإنّما هي
محاولات كتابة في مدونتي.
فسألت عن ماذا تكتبين ؟
فأجبتُ عن التجارب والكتب وما
أستلهمه من كلٍ منهما.
قبل أن أخرج قدمت لي الأستاذة
توصية بقراءة ديوان محمد عبد الباري الجديد ، وقدّم لي الأستاذ توصية بقراءة
أطروحات أخرى لأحمد بخيت.
وفجأة انتهى كل شيء ، خرجتُ من الغرفة ، من المكان
الكبير ، من الفندق ، بعد ساعة واحدة من الدهشة والبهجة اللتان أشعر بهما وأنا
أكتبُ الآن ، لكن الشيء الوحيد الذي لمسته ومتأكدة منه هو وجود أحلام معي في غرفة
الانتظار لأني صافحتها ، لم ألمس مقبض الباب الذي انبثق منه النور لأن المشرفة هي
من فتحته لي ، لم ألمس الكاميرات التي جلستُ في حضرتها ، لم ألمس الأساتذة الكرام
، لم ألمس أسئلتهم وابتساماتهم ولطفهم ، فهل كانت تلك ساعة حقيقية في عمري ؟
مذكراتهم التذكارية هي ما سيثبت لي دائمًا أني خضتُ هذه التجربة فعلاً ، عامي الـ
21 لا زال يدهشني.