جاءنا اليوم الأستاذ رشاد حسن
ليسأل سؤالًا واحدًا فقط ( لماذا نقرأ الأدب ؟)
سؤالٌ جميل لا أتعب من ترديده على
نفسي، في كل مرحلة من مراحل تجربتي القرائية، وفي كل لقاء يضعني في مكاشفة فجة مع
تجربة الإنسان، الإنسان الذي يعتريه الاعتوار، أو الذي يتعثّر بنفسه وغيره.
كعزيز في تلك العتمة الباهرة، كوالديّ
مشاري في خرائط التيه، وكعازل في أن ترحل، ومريد البرغوثي في رأيت رام الله، وحسن في
عداء الطائرة الورقية .
لذا أفهم المشاركة ليان حين ردت
السؤال بآخر: لماذا لا نقرأ الأدب؟
سؤالٌ ذكي يا ليان، سؤالٌ يشبه نزعك
أوراق الزهرة بحثًا عن ميسمها، يشبه حفرك تحت شجرة بحثًا عن جذورها، يشبه ارتدادك
إلى الداخل بحثًا عن الحكاية.
حتمًا ستجد الميسم والجذر والحكاية.
نحن لا نكون دون قراءة الأدب،
الأدب هو الحكاية.
في الرواية، في الشعر، هو مادة
أولية لكل النصوص، وكل التجارب. لا شيء ممكن دون الحكاية، لا شيء يحدث خارج سياق
الحكاية. إذن لا شيء بدهيٌ أكثر من قراءة الأدب.
نفهمُ الأمر بوضوحٍ أكثر حين نكون
حاضرين في مجلس المشاركة فاطمة وهي تقدّم مراجعتها عن كتاب (اليأس مقبرة الإنسان)
فتتوالى الأسئلة بعدها: هل تكفي القراءة لتغييرنا؟ هل يكفي وجود المعلومة لفعل
ذلك؟ هل للخطب والمواعظ ذلك الوقع؟ أم أنها الحكمة؟ على أيَّ الحبال تعوّل في
نجاتك من مقبرة المحن؟
يا نائيًا عني بمترٍ واحد
الآن وسّعت المسافة بيننا
استشهد الشاعر عبدالرحمن العريج في محاضرته عن الشعر بهذا البيت، الذي أعرفه ويعرفني من فرط ترديدي
له. لكنّها المرة الأولى التي أعرف مناسبته فيها.
إنه
بيتٌ في رثاء والد أحمد بخيت الشاعر الذي أحب شعره جدًا.
أرجع إلى القصيدة، أتلمّس أبياتها كما هي عادتي
في قراءة القصائد التي أحب، أتذوق كلماتها فأجدُ أنّ مرارتها الآن غدت لاذعة.
أتحسس رؤوس الوجع فيها. تبدو مُدببة أكثر.
نعم. هذا ما يحدث عند قراءة الشعر.
يُمكن أن تقرأ القصيدة كاملة أو تستلّ أبياتًا
تخرجها من سياقاتها وتستشهد بها حيثما شئت، دون أن تعرف مناسبتها أو تكلف نفسك عبء
البحث عن ذلك. جزءٌ من الذائقة يستلذُّ بالتأويل.
لكن يحدثُ شيءٌ مختلف عندما تعرف المناسبة،
يتعمّق حضور القصيدة في وجدانك، تجد مستقرها ومقامها في صفحات تجاربك وأيامك، بيتٌ
على بيت فتتكون الحكاية.
زَرنوق
سَنورة
كحِين
مِسحَاة
ادّيني
في نهاية اليوم وجدتُني وسط حلقة جميلة مع
بناتي والرائدة جُمانة، كلمة من القطيف، ثانية من سيهات وأخرى من الجنوب، والقول
الفصل بالتأكيد من مكة=")
كان مجلسًا متأنقًا بضحكاتنا واستمتاعنا
بالاختلافات التي وجدناها بين اللهجات، الكلمات والمدلولات.
أستذكر حلقة بودكاست فنجان للدكتور بندر
الغميّز الذي أقرّ فيها بكون اللهجات جزءًا من العربية نفسها يُعتدُّ به ويُعوّل
عليه.
ياه .. تشتدُّ متانة عصا اللغة التي أتوكأ
عليها.
أشعرُ بالرِّضا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق