أتأسّى باللغةِ حينَ أقرَأ الأدبَ وأصغِي للقَصِيدة.

الاثنين، 26 أبريل 2021

سنة ثانية ماجستير .. في الرياض

 



عتبة الدخول/

إن المخاوف في رأسي أكبر مما تبدو عليه في الواقع.



 

أخيرًا..أخيرًا، انتهت هذه السنة الدراسية الطويلة، طويلة جدًا بأحداثها وأعبائها.

الفصل الأول منها تجاذبتني فيه هموم الدراسة والمعدّل والتكاليف البحثية التي كانت أشق وأكثر عددًا من السنة الماضية، لكني حين أنظر إليه الآن  على بعد مسافة خمسة أشهر تقريبًا ومعدّل أرتضيه ولله الحمد، أجد أني صقلت مهاراتي البحثية فيه أكثر من السنة المنهجية الأولى، وأني وللأمانة الأخلاقية قبل العلمية "استمتعت" في كثير من مقرراته ونقاشاته، لولا كورونا-أباده الله وخلّصنا منه-الذي باعد بيني وبين زميلاتي وأساتذتي وفسحة التجارب والمغامرات الجامعية التي تبدّت في خيالاتي منذ صدر قبولي للدراسة في جامعة الملك سعود! طمعًا في تأثيث ذاكرتي بالغرائب والعجائب في الجامعة الجديدة! لكني الآن لا أحفظ منها غير فصل ونصف وملامح شاشة حاسوب أرّقتني وأرهقتني لساعات طويلة.

 





أما الفصل الثاني الذي تآكّلني فيه القلق من فشلي في كتابة خطتي البحثية أنا التي ما كتبتُ رسالة علمية قبل هذا الوقت قط أو الإنجاز الركيك غير المتقن، وحالة الضياع الأولى التي أعياني فيها البحث عن طرف الخيط الذي ما إن أمسكت به، انفرط -بفضل الله- على امتداد أسبوعين من البحث والاطلاع والكتابة والجهد المكثف في كلِّ ذلك، حتى انتهيت من خطتي البحثية فيما يقارب 30 صفحة ورقية.

حدث ذلك في الشهر الأول (6) من بداية الدراسة ثمّ طالت الإجراءات ولم يصدر الاعتماد النهائي لها من عمادة الدراسات العليا إلا في هذا اليوم المبارك الذي دفعني ببركته لكتابة هذه التدوينة. مرّ حدً الانتظار على صبري القليل مجرّحًا إياه حتى نفد، فصبرت بعدها من قلة الحيلة. والحمدلله أنها اعتمدت.

هذه قصة المتن، أمّا قصة الهامش (حياتي في الرياض)، فإني حين أتأملها الآن

أنظر إليها نظرة عُجبٍ وتعجب!

لأني في مثل هذا الوقت من السنة الماضية حين كتبت تدوينة(سنة أولى ماجستير .. في الرياض)

كان أول ما فعلته عند وصولي إلى منزلنا في مكة إلقائي بحقيبة السفر في أبعد نقطة في المنزل لا تصلها عيناي أو قدماي فوجودها يهدد أماني وراحة بالي.

اليوم حقيبة السفر في خزانة غرفتي، لا يبعدني عنها إلا المسافة الفاصلة بين فتح الباب وإغلاقه، هي نفسها المسافة بيني وبيني! بين نسختي القديمة التي ذهبت للرياض متعثرة بكل ما تركته خلفها من أهل وأصحاب وأماكن تعرفها وتألفها، ونسختي الجديدة التي بدأت بتأثيث حياة مستقرة في الرياض التي حفظت طرقها إلى حدٍ ما (فهي مجموعة مدن في مدينة) وصارت لي فيها أماكني المفضلة وقت راحتي أو انزعاجي أو رغبتي في تشتيت ذهني أو حتى الترويح عن نفسي. والأهم المكتبات التي أفضّل ارتيادها دون غيرها.






وهذا اعتراف صريح ومباشر أمام الأصدقاء الذين سيقرؤون هذه التدوينة أصحح فيه انطباعهم عن مشاعري تجاه الرياض التي كرهتها ابتداء، اليوم أنا أحب الرياض لأنها منحتني فرصة للتمدد والنمو ومواجهة الكثير من مخاوفي، ولأنها غدت مرآة أتلمّس فيها حقيقتي حين تجرّدت من محيطي والتصوّرات التي حفظتها عن نفسي بأعين الناس. في الرياض كنتُ عارية تمامًا من كل ذلك. في الرياض واجهتُ نفسي وقدّرتها.

ربما لو كانت مدينة أخرى غير الرياض، لوصلت إلى نفس النتيجة لأن العبرة في تجربة الابتعاد والاغتراب وكل ما تُسفر عنها كالتجرّد من حماية العائلة وسقف المنزل وحميمية وجود الأصدقاء.

في الانتقالات السكنية العديدة التي فرضتها عليّ الظروف، وفي قوائم المشتريات المنزلية التي بتُّ أعدها بذكاء، والميزانية الشهرية لمشاويري مع أوبر التي تصدرت قائمة مصروفاتي، فمتوسط المشاوير المعقولة في الرياض تأخذ من 20 دقيقة إلى نصف ساعة تقدّر بـ 80 ريال للمشوار الواحد للذهاب والعودة. والعزم معقود بالتأكيد لإصدار رخصتي في القيادة.

 ومع ذلك فإن الرياض تحديدًا تشبهني في مزاجي العمليّ المهووس بالإنجاز وعلامات الانتهاء من المهام، وزحمة أفكاري وتأمّلاتي الدائمة، في تقلّبي المستمر بين ذواتي التي يناقض بعضها بعضًا أحيانًا، كقيظ نهار الرياض المزعج الذي ينقلب في نهاية اليوم إلى جوٍ عليل وبرودة لطيفة، لنصبح على يوم آخر ضبابه من غبار وإلى غبار يتوسطه هطول مطر عذب، للرياض أيضًا وجهٌ قسماته هادئة وساكنة أحيانًا يشبه مزاجي الرائق وهو يدفعني إلى الخروج والمشي في طريق طويل لا نهاية له، أقلّب فيه طرفي وفكري، الوصول آخر رغباتي. مفتونُة أنا في المشي والتفكير.

 



عتبة الخروج/

أمتنَّ لوالدي كثيرًا لأنه يدفعني لمواجهة الحياة واستثمار فرصها متذرعة بشجاعة أستمدها منه.

0 التعليقات:

إرسال تعليق