قرأتُها متأخرًا ، وهذا التأخير جاء بحمولته من الإلمام بالقصة
وأفكارها ومآلاتها ، ومع ذلك قرأتُها بلهفة القارئ العازم على الاشتباكِ مع كل
كتاب بقراءته الخاصة.
ومما لا يخفى على القرّاء أنّ هذه الرواية كُتبت نقدًا وإسقاطًا
للأنظمة الشمولية على حياة الحيوانات في
إحدى مزارع إنجلترا ، فاستطاع جورج أورويل بهذه الطريقة الذكية والرمزيات القوية
أن يعبّر عن سخطه ورفضه للواقع الذي عايشه في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية وبعض
الوقائع وتداعياتها التي تنبأ بها.
ومن هُنا يتضح أنّ الكتابة فضلاً عن كونها أداة خلود وتعبير هي أداة
مقاومة ومواجهة بيدِ الإنسان الكاتب.
تحدثت الرواية بشكلٍ ما عن الإنسان
الذي يقع تحت قهرِ السلطة ، تحدثت عن إنسان الثورة والثمن الذي يحشده ، لتحقيق
آماله التي تغدو ممكنة بقدر ما هي بعيدة ، تغدو خلاصًا بقدرٍ ما يبدو الواقع مأزقًا
له جدرانه الضيقة.
هذا الإنسان الذي ينجو بالثورة ويقع تحت
نكساتها في آنٍ واحد، إنسانٌ يفضّل التعلّق بأوهامِ الأمل البعيد على أن تضيق به
جدرانه من جديد.
قدّمت الرواية أيضًا تصويرًا عميقًا لإنسان السلطة الذي يتغذى على
شهوته فيها ، لتصغر أمامه الثورة ومقوّماتها والأمس واختناقاته ، كل شيء يلزمه أن يصغر طالما أنّ سلطته تتمدد
باستمرار، هذا الإنسان الذي يحافظ على تبعية إنسان الثورة بتغذية آماله في الغد
الذي لا يجيء تارة وتارة أخرى بالقوة والقمع.
وهنا تكمن المفارقة ، فكيف لمن عانى من ممارسات الاستبداد أن يعمل على
تكريسها بطريقة أو بأخرى.
" جميع الحيوانات متساوية ، لكنّ بعضها أكثر مساواة من غيرها "
اختصر جورج بهذه العبارة حتمية الفشل الذي تؤول إليه الأنظمة الشمولية والتي تحقق الاستبداد والطبقية والظلم بقدر ما تنادي بالمساواة.
" جميع الحيوانات متساوية ، لكنّ بعضها أكثر مساواة من غيرها "
اختصر جورج بهذه العبارة حتمية الفشل الذي تؤول إليه الأنظمة الشمولية والتي تحقق الاستبداد والطبقية والظلم بقدر ما تنادي بالمساواة.
قرأتُ الرواية بترجمة محمود عبد الغني
، وبرغم أني لا أملك تجارب كثيرة في قراءة الكتب المترجمة إلاّ أنها ترجمة لا تليق
أبدًا برواية كهذه ، ومما أثار استيائي أنّ مقدمة المترجم تحتوي على نقدٍ لاذع
لبعض الترجمات العربية المسيئة للرواية باختزال أفكارها وتغيير مسميات الشخصيات
وغيره ومما كتبه المترجم بداية " إذ ماذا يبقى من سحر الكلمات إذا أسأنا إلى
الكلمات " في حين أنّه قدّم إساءات لا تُغتفر إلى الكلمات في ترجمته ، فحال
بيني وبين الاستمتاع الكامل باللغة.
التقت قراءتي لمزرعة الحيوان بقراءة سابقة
لرواية سمراويت للروائي الارتري حجي جابر ، والذي دار في فلكِ مقارب حول الثورة
الارترية التي لم تكتمل أحلامها وأهدافها حتى بعد مرور سنواتٍ طويلة من الاستقلال
، حيث لا زال الارتريون يتأرجحون بين آمالِ الثورة المعلقة وخيبات الواقع
المكرّسة.
يتراءى لي أنّه طالما وُجد الإنسان يظلّ الخلاصُ حلمًا بعيدًا يحرّكه ، وفي
غيابه يفقدُ الخلاصُ قيمته.