أتأسّى باللغةِ حينَ أقرَأ الأدبَ وأصغِي للقَصِيدة.

السبت، 7 أكتوبر 2017

افتتاح آكام 3




عبّرت لي صديقة ذات مرة عن ضرورة مشاركة الأصدقاء حين تداعب أحد الأحلام خيالاتنا ، حين نقرر في لحظة عاصفة ترتيب أوراق الحياة المبعثرة بين أيدينا ، ولملمة شتات الأفكار والأمنيات.

لم آخذ الفكرة حينها على محمل الاقتناع تمامًا ، لكنني أومأتُ برأسي ربما مجاملة وربما على نحوِ ترك الفرصة لتجارب الحياة كي تثبت لنا ما قالته أو العكس ، بعد فترة ، جاءتني الصديقة وكأنها لا تريد لنا الانتظار ، فخلقت بنفسها أوّل تجربة مختلفة جاءت في مقام الاحتفاء بالأصدقاء ، في مقامِ المشاركة التي لا تقتصر على " العيش والملح " ولتكن الإنجازات والعثرات والنجاحات وأسرار المخاوفِ وما للثقة والإيمان من مساحات تجمع بيننا.

فكانت تجارب كثيرة أحدها " مشروع آكام " كبذرة أودعها الله بيدِ صديقتي خولة وعلى نحو ما شاء في أقداره كنتُ أنا وصديقات أخريات قائماتِ على ريّ تلك البذرة حريصاتٍ على نموها شاهداتٍ على لذة حصادها.

آكام كان حُلمها وحدها حلمًا باعدت المخاوف بينها وبينه قبل أن يُخلق كاملاً ، ثمّ ها هو اليوم يكبرُ موسمًا فآخر بسعينا جميعًا ، ويكون في عمرِ الكثيراتِ تجربة ، فريدة ، تختلفُ مكاسبها.
آكام هو مشروع نستهدفُ فيه الفتيات في المرحلة المتوسطة والصف الأول الثانوي ، لمساعدتهنّ في التعرّف على مسارات الحياة ( الروحي ، الاجتماعي ، الثقافي ، الصحي ، المالي ، المهاري ) من خلال مجموعة من الفعاليات المتنوعة والتي تُكسبهن القدرة على تحقيق النمو المتوازن في كل هذه المسارات واكتساب مهارة التعلم الذاتي فيها.

اليوم 17 / 1 / 1439هـ  كان افتتاحُ الموسم الثالث من آكام
ومذ بدأنا آكام بموسمه الأول غدت أصباحُ السبتِ أثيرة لدي ، كيف لا وهي ميعادي مع وجوهٍ طيّبة يطفرُ الحماس من عينيها ، مع أرواحٍ أشعر بقربها مني على نحوٍ لا أستطيع التعبير عنه بدقة ، غيرَ أن غاية ما أرجوه لها أن تحقق انتصاراتها العظيمة على نفسها ، وتنجو من مهالكِ الحيرةِ التي لا يفلتُ منها من أعجزتهُ مفترقات التّيه ، وأعيته أفاق العالم المتصاغرة بعينيه ، غير أنّ غاية ما أرجوه لتلك الأرواح أن تعيش تجربة مميزة وفارقة في رحلةِ العمرِ الممتد إلى أقصى ما تستطيع الوصول إليه حين تعرف ما تريد وتؤمن بالغاياتِ البعيدة ، القريبة.

آكام جمع أكمة وهي تعني " التل المرتفع " تم اختيار هذا المسمى لغرابته وجماله ورمزيته المتعلقة بالتميز على مستوى الأقران.

في افتتاحية الموسم الثالث اليوم اجتمعن والدات المشتركات برئيسة جمعية واعي للتوعية والتأهيل الاجتماعي د. فتوحة الأندونيسي والتي حرصت على تبصيرهنّ بفكرة البرنامج وأهدافه وكل ما يتعلق بمصلحة المشتركات ، أمّا نحن كفريق عمل فقد قضينا الوقت مع المشتركات الجميلات حيث تمّ التعارف بيننا في أجواء مرح ممتعة ، ثمّ حرصنا على تعريفهن بالبرنامج وأهدافه ، وطريقة العمل والانجاز في المسارات طوال فترة البرنامج ، واستضفنا مشتركتين  مميزتين من مشتركات الموسم السابق ( الشيماء الشهري ، منار الأحمدي ) حتى يستقين التجربة ممن عشنها وكيف أثّرت عليهنّ واستفدن منها.


أخيرًا آكام ليس لهنّ فقط آكام لنا نحن أيضًا كفريق العمل وربما ما نخرج به من آكام من ثراء التجارب والاستمتاع بها مع مرحلة عمرية هامة كهذه هو أضعاف ما نستطيع منحه لهنّ ، لذلك شكرًا لكلّ من لا يكون آكام إلا بها ، شكرًا للأصدقاء الذين نتقاسم معهم تفاصيل الرحلة بما يشقّ قبل أن يطيب على خارطة السعي وناصية الحلمِ و وسط شتات الأفكار.

الأحد، 1 أكتوبر 2017

نسيان


أمامي الآن إبر الأنسولين الخاصة بجدتي المتوفاة قبل ثلاثة سنوات  - رحمها الله - والتي أحتفظ بصورتها في هاتفي النقال وسط العديد من الصور المتكاثرة بسرعة مخيفة  ويعزّ عليّ حذفها أيضًا ، وتقع عينيّ على دفتر الذكريات الملقى على الطاولة والذي أحتفظ فيه بالكثير من الصور والكلمات القريبة إلي ،  وفي بعض رفوف مكتبتي هدية من هذه وأخرى من تلك ، وفي أسفل خزانة ملابسي ثمة بعض العلب والأكياس التي تحفظ وجوه أصحابها، وفي أجزاء متفرقة من غرفتي أحتفظ بأشياء كثيرة مماثلة ، غرفتي ذاكرة ! ذاكرة عصيّة على النسيان إلى حدّ ما.
عندما انتقلنا مؤخرًا إلى المنزل الجديد ، كان على غرفتي أن تتخفف ، كان على الذاكرة أن تفيض قليلاً حتى يكون هناك متسعٌ للجديد والمزيد.
فنسيت غرفتي أو على وجه أدق أنسيتها !

على الأقل غرفتي الذاكرة مطواعة،  أقرر لها متى تتذكر ومتى تنسى ، بماذا تحتفظ وعن ماذا تنأى ،  وهذا تحديدًا ما أفشل بفعله مع ذاكرتي هي عصيّة أيضًا لكنها قصيّة لا تطالها يداي العابثة. وهذا أكثر ما يرهقني ويُعجبني في آنٍ واحد.
تُرهقني حين أكرر محاولاتي البائسة في اجتثاث الأوجاع وتجاوز الخيبات و التخلص من البقايا ، التخلص من المفقودين وبقاياهم ، أولئك الذين تقرر الحياة نسيانهم وأخرون يقررون نسياننا نحن .
لكنها وفي لحظة مخاتلة تنسى ، تقرر لي أن أنسى !

في تلك اللحظة التي تبدو مستعدة فيها للتجاوز والمُضي ، للتعثّر بوجوه جديدة والامتلاء بما لم تعتد عليه كرائحة عطرٍ يحفظ قداسة اللقاء الأول ، وصوتٌ أثيرٌ تُربكني حتى أشباهه ، وهكذا تكرر الذاكرة دورتها على الدوام ، وأقبل ذلك منها.
ماذا لو نسيت قبل أن يحين الوقتُ المناسب ؟ ماذا لو تجاوزت قبل أن أتعثّر بالشخص المناسب ؟ ماذا لو مضيتُ قبل أوانِ حدوث ما يُدهشني ويُعجبني وأحب ؟

ماذا سأفعلُ بذاك الخواء الذي سيتمدد فيّ ، وكيف لي أن أسكت صدى الفراغ المتبجح ، أريد أن أمتلئ وأريدُ أن أنسى كيفما شاءت ذاكرتي لي ، وأريدُ أن أتعثر كيفما شاءت لي أيضًأ ، المهم ألاّ أفرغ وألا أتذكر.
أريد لرائحة عطر عابر طريق لم يقصد نبش الذاكر ؛ أن تربكني.
أريدُ لوجهه إذا ما التفتُّ مدفوعة بالحنين إليهم ، أن يصيبني بدهشة لقاء أول أشباههم الأربعين.
وأريدُ أن أمضي في الحياة بعينين مفتوحتين على اتساعهما ، تبحثان عن أكثر مما رأيتُ وعرفتُ وأتذكر ، والنسيان وحدهُ يضمن لي حياة حية كهذه.

تنسى ذاكرتي أحيانًا الأشياء التي تعجبني وتدهشني وأحب وهي إذ تفعلُ ذلك ، تجعلني أخفّ ثقلاً لأنّي بالتأكيد لن أحتمل الصداع الذي يمكن أن يصيبني إذا ما تذكرتُ كل اللحظات الجميلة على مدى 21 عامًا أو أقلّ قليلاً، إذ تنسى ذاكرتي فهي تمنحني فرصًا لا معدودة من الدهشة المتكررة ،وهي إذ تفعلُ ذلك ، أقدّر لها صنيعها الذي يجعل العالم حولي غيرَ مألوف ، لأكون في حضرته الطفل الذي يعتمد على حواسه الخمس فيرى ويسمع ويلمس ويشم ويتذوق ليفهم الحياة حوله ، ذاك الطفلُ الذي يعبّر عن انتصارات فهمه البسيطة بالنسيان وتكرار المحاولات.


الخميس، 14 سبتمبر 2017

فخّ التخصصات التي لا تؤمّن المستقبل




تبقّى القليل على بداية العام الدراسي ، وكعادتنا مع كل بداية ، نشحذ هممنا ونتوق لتقديم أفضل ما لدينا خلال السنة الدراسية ، ونفكّر في كيفية سير السنة والعقبات التي ربّما نواجهها والمعدل الذي نصبو إلى تحقيقه ، ولكن للبعض بدايات مختلفة ، بدايات جديدة بمثابة المنعطفات ، لا يدري معها إلى أين سيصل وما ستؤول إليه النتائج ، هذه بدايات الطلبة المستجدين في الجامعة والذين أخصّهم بحديثي هنا.

" مبارك تمّ قبولك في تخصص .............." عند وصول هذه الرسالة إلى هاتفك المحمول ستتزاحم المشاعر لديك حسب التخصص الذي تمّ قبولك فيه مقارنة برغبتك الشخصية أو ربما رغبة الأهل أو محاباة الأصدقاء ، وفي حال جاءك القبول في تخصص يوافق رغبتك ويخالف رغبات من حولكِ ، أفهم ما ستشعر به من قلق إزاء إبلاغهم بالأمر وإزاء مواقف التأنيب المكررة التي ربما تواجهها طوال سنوات دراستك الجامعية ، كما أفهم موقف الكثير ممن حمّلهم أهلوهم أو البعض ممن حولهم ثقل توقعاتهم وتوجيهاتهم التي تخالف ميولهم ورغباتهم بزعم أنه متفوق ويستحق الأفضل أو بمزاعمَ غيرها ، كم منّا انتظر منه أهله أن يتخصص في الطب أو الهندسة أو تخصص له مستقبل على الأقل ؟! ماذا لو كان أكثر أفراد المجتمع من العاملين في ميادين الطب والهندسة والتخصصات العلمية – التي ترتقي بالمستقبل وتؤمنه على حدّ زعمهم – من سيمسك بباقي أطرافِ العلوم ، شرعية كانت أو إنسانية ؟ من للعقيدة والشريعة والقراءات ؟ أو من لعلوم الاجتماع وعلوم النفس والتربية ؟ وغيرها من التخصصات.

يُسفر الواقع وينطق المنطق عن أنّ المجتمعات لا يمكن لها النهوض أو التقدم وهي تعوّل على جانبٍ واحد من العلوم أو ترتكز على ركيزة واحدة منها ، لا تنهض المجتمعات وهي تحاول التصدي لمشكلات الصحة التي تعتري جسد الإنسان وتتجاهل مشكلات الصحة التي تعتري فكره وعقله ونفسه ، تعيث  المجتمعات بجهودها عبثًا وهي تحاول تشييد الأبنية العالية وصناعة المركبات وتحديث التقنيات ، في حين أنها عاجزة عن إيجاد قاعدة رصينة متينة في علوم الشريعة والدين ، حتى يكون لكل مساعيها غاية ومعنى مرتبطة بوجود الإنسان في مجتمعه وعلى أرضه. وكيف بالأساس نصف المجتمعات بأنها مجتمعات تحوي تنظيمات بشرية تتفاوت في طبقاتها وأصولها وتكويناتها العرقية أو نستطيع على الأقل فهم التفاعل والتكامل القائم بين أنساقها المختلفة دون الاستناد على علوم الاجتماع والأنثروبولوجيا ؟!

ثمّ في ظلّ وفرة الأيدي العاملة التي يشهدها المجتمع اليوم ، ما هي التخصصات التي تكفل للفرد مستقبله الوظيفي ؟! نحن لا نريدُ المزيد من الأطباء لكن نريدُ المتميزين منهم ، ولا نريد المزيد من المهندسين لكن نريد الأفضل منهم ، نريدُ منهم من يضيفُ إلى علمه ويرقى بمجتمعه ، لا من ينتظر أن تزداد قيمته هو بإضافة حرف "د" قبل اسمه ، ولا من يتعامل مع لقب المهندس وكأنه وسامُ تشريفٍ خالٍ من تكاليف مسؤولية الارتقاء بتخصصه ومهنته.
أستشهد هنا بعبارة د.طارق السويدان التي سمعتها عندما كنت حائرة ، تائهة في فترة اختيار التخصص الجامعي ( الدخول في الازدحام يحتّم عليّ التميز فيه )

ثمّ أستشهد بإحدى نصائح والدي التي طالما كررها على مسامعي ( تتاح الفرص وتتعدد الخيارات أمام المتميزين الذي يفعلون ويقدّمون أكثر مما يفعله ويقدّمه أقرانهم أو غيرهم )

آخر ما أودُّ التطرق إليه هو أني حين كنت أتجوّل بحثًا عن مفاتيحٍ تُسهّل عليّ عملية الاختيار وتُملّكني أدواته المعرفية ، كانت معادلة ( الفرق ) هي أكثر ما لفت انتباهي ، هذه المعادلة التي تأخذ بيدي كلّ من أرّقته حيرة اختيار التخصص أو المجال المناسب ، ماذا تعني هذه المعادلة ؟!
فرق ..
ف : تُشير إلى الفرص الوظيفية خاصة أو الفرص التي يُتيحها التخصص أو المجال في سوق العمل عامة.
قناعتي الشخصية تنطوي على أنّ الفرص نوعين :
-        فرص تأتيك لأنكّ مؤهلٌ كفاية لاستحقاقها.
-        وفرص أخرى أنت وحدك من يستطيع خلقها وإيجادها.
ر : أما الراء فهي الحرف الذي يكُنّ لك كل التقدير والاحترام لأنه يبحث عن ( رغباتك وميولك ) أي ماذا تريد أنتَ وماذا تُحب وبماذا تستمتع ؟
                               وهنا أستذكر مقولة للدكتور : طارق السويدان      
( الذي يعمل فيما يُحسن سيُنتج ، والذي يعمل فيما يُحب سُيبدع )
أخيرًا تنتهي معادلة الفرق بسيدة الموقف ألا وهي القدرات :
" أي كلٌ مُيسرٌ لما خُلقَ له "
للإنسان قدرات ومواهب وإمكانيات فطرية لا تنتظر سوى التوجيه والتشذيب والتنمية وفي مقابل هذا لا يعني أنّه لا يمتلك قابلية تعلم الجديد والمزيد فالعلم بالتعلم.
وهذا يعني أنّنا نمتلك أيضًا القدرة على مضاعفة قدراتنا كلٌ حسب سعيه وهمته واستطاعته.
إذن اختياراتنا في الحياة هي ما تصنع الفرق.

هذه التدوينة هي خلاصة كل التجارب التي مررت بها منذ فترة اختياري لتخصصي الجامعي وحتى اليوم ، هذا التخصص الذي وبخني على الالتحاق به الكثيرون بدعاوى كثيرة وأهمها " الخدمة الاجتماعية تخصص ما له مستقبل " إن كانوا يعتقدون أنّ المستقبل كله ينحصر في مجرد وظيفة فبشراي لكلّ من وبّخني أو استنكرّ علي ، أني إلى الآن وقبل تخرجي قد عُرضت عليّ 3 وظائف ، لأنّ الفضل كل الفضل والرزق كل الرزق بيدِ الله وحده ، والمستقبل الذي أريده وأتمناه أكبر من مجرد وظيفة.


كنتُ هنا بمودتي ودعواتي للطلبة المستجدين بالتوفيق والتميز.

الجمعة، 8 سبتمبر 2017

إلى الأطفال الذين لا يفهمهم الكبار




أقول / تقول / يقول :
إلى طفل أوحد كنته وإلى أطفال كثر لم أكنهم.
إلينا نحن الذين نشابه بعضنا ولا نتشابه.

كم سخرت كتبُ والدي التي كانت في الرفوف العليا من المكتبة من قفزاتي المتكررة الآملة في الوصول إلى كتابٍ واحد ، حتى أقلب عابثة صفحاته ، أمزّق بعضها وأحاول سبر أغوار البعض الآخر ، حتى ألوك الكلمات الشهية وأتذوّق عصارة فكر أو عاطفة كاتبٍ ما أو أحاول بعجب في نفسي فكّ رموز الأسطر الماثلة الأمامي بأول الأحرف التي أتقنت لفظها " ب ب ، م م ، ت ت "
فأختزل كلّ الجهد المبذول لمؤلفِ ما بأحرفي البسيطة وأشعر بالانتصار.
ولكن يا للأسف كنتُ أقصر من أن أطال كلّ ذلك المجد وكان أبي أحرص من أن يفرّط بكنزه الخاص وكتبه الثمينة ويجعلها في متناولِ طفلِة مشاغبة مثلي لا تقدّر قيمة الكتاب وتحاولُ عبثَا فهم العالم حولها ببعض محاولاتٍ ساذجة.


أمّا أنتَ فقد كانت قصتك مختلفة لكنها مُحبطة هي الأخرى ، فعلى العكس مني ، كم حاولَ والداك أن يدسّا وجهك بين دفتيّ كتاب ، في كل فرصة تسنت لهما .
-         تريد أن تخلد إلى النوم ؟ اصطحب كتابًا معك وسيكون خير أهزوجة تغفو على إيقاعها.
-         مللتَ من مشاهدة التلفاز ؟ اقرأ كتابًا فهذا أنفع لكَ حتى تزداد ثقافتك وتتسع آفاق معرفتك وتُثري مخيلتك.
-         تُريد أن تلعب مع الرّفاق ؟ حسنًا ولكن انتهي من وردك اليوميّ في القراءة وستكون مكافأتك ، قضاء وقتٍ أطول  معهم.
-         - حان موعد الرحلة الأسبوعية للعائلة ؟ لا تنسى أن تأخذ كتابك حتى تستثمر وقتك إلى حين الوصول إلى الوجهة المحددة.
وهكذا تضيق أنفاسكّ كلما رأيتَ كتابًا ما ، فتختنق بتوجيهات الضرورة والوجوب والإلزام ،  وتضيع رغمًا عنك ، الحياة التي أردت أن تعيشها طفلاً ، طفلاً يُمارس الحياة دون أن يشعر بأنّ هناك ثمنٌ مقدمٌ أو موخرٌ يشق عليه ويجب دفعه.


مهلاً وأنتَ قبل أن تهرب دعنا نتحدّث قليلاً عن مأساتك ، أنت الذي تعتبر القراءة فعل مقاومة لكل عوارض الحياة ، تقاوم الملل بالقراءة ، تقاوم الحزن بالقراءة ، تقاوم العجز بالقراءة ، تقاوم الوحدة بالقراءة ، تقاوم الخوف بالقراءة ،  فالقراءة توفّر لك منافذ الهرب الممكنة من الحياة وإليها.
ثمّ تضطر لسماع تعليقاتٍ قاسية من الكبار ، من قبيل : أنت تُنهك نفسك بالقراءة  ، تضعف نظرك وتخفض مستويات صحتك ، وتقلّص دائرة علاقاتك الاجتماعية وتجنح للعزلة ، ويتراجع مستواك الدراسي. إذن عليك الآن أن تتوقف !
نعم تتوقف عن القراءة.
يصدرون قرارهم ويذهبون ، دون أن يتريثوا ليفهموا أنهم بهذا يصادرون حقك في المقاومة ، أنهم من ينهكك الآن فعلاً ويجرّدك من سلاح مقاومتك الوحيد.
فكيف ستقاوم مأساتك الآن ؟


إلى الكبار الذين لا يقدّرون محاولات طفلٍ يريد أن يقرأ أو يرفض ذلك
إليهم هم الذين يشابهون بعضهم ويتشابهون في قسوتهم حينما لا يفهمون المغزى وراء هذا المقطع لدانيال بناك من كتابه " متعة القراءة "
" لا يتحمّل فعل - قرأ – صيغة الأمر. وهو اشمئزاز تشاطره إيّاه عدّة أفعال أخرى ، كفعل " أَحَبَّ "  .... وفعل " حَلَمَ " طبعًا تبقى المحاولة ممكنة ، هيّا لنحاول
( أحبّنِي ، اِحلَم ، اقرَأ ) !"
ليكرر الكبار الذين أقصدهم ذلك المقطع أكثر من مرة ، حتى يشعروا تحديدًا بما تخلّفه قسوتهم على الأطفال حين يستخدمون فعل " القراءة " بصيغة الأمر ونهيه.

قساةٌ أنتم إذ تصادرون حقّ الأطفال حين تقفون عائقًا بينهم وبين كلّ ما يحاولون الوصول إليه ، حتى يلمسوه ويتحسسوه ، ويشتمّوه ، ويتذوقوه ، ككل شيء حولهم ، كالكتبِ مثلاً في محاولةِ ربما تكون ساذجة وعابثة لكنها بالتأكيد ستساعدهم في فهم جزءٍ من العالم وربما قد تؤسس لعلاقة وطيدة بينهم وبين المكتبة في يومٍ ما.

قساةٌ أنتم حين تحاولون جبرًا خلق علاقة ما بين الأطفال والكتب من باب الثقافة والمعرفة و دعاوى أخرى واهية لا يستطيعون فهمها ولا الإيمان بها وكل ما يعرفونه أنّها تقيّدهم وتختزل كل الحياة التي يتشوقون لخوضها بين دفتيّ كتابٍ هزيلٍ يقتطع من أعمارهم ، ولا يستوعب أحلامهم ، فإنّ لمّ تكن المتعة بمختلف ضروبها هي الباب الأوّل الذي يدلفون منه إلى القراءة وعالم الكتب ، فقد يكون عمر العلاقة التي تؤسسون لها قصير وقلما يثمر.

قساةٌ أنتم ، حين تحمّلون فعل القراءة أوزاركم ، فالأطفالُ الذين يتعاملون مع الكتاب كصديق يدفع عنهم كلّ مالا يطيقونه من عوارض الحياة ، منكم أنتم في بعض الأحيان ، يضعفون ، يتهاوون ويسقطون إذا ما جُرّدوا من سلاحهم الوحيد ، فهل تزيدون على أوزاركم وزرَ طفلٍ يحيا ليقرأ ، ويقرأ ليحيا.




الثلاثاء، 29 أغسطس 2017

التدوينة الأخيرة في أقرأ 2017



طالما كانت النهاياتُ إحدى مخاوفي ، أخاف آخرَ كل شيء ، اللقاء الأخير ، الكلمات الأخيرة ، الالتفاتة الأخيرة ، والعناق الأخير"

وها أنا أمسك بالصفحة الأخيرة من تجربتي في ملتقى أقرأ الإثرائي ،وأكتب التدوينة الأخيرة عنه وفيه،  الملتقى الحلم بذاته والبوابة إلى غيره من الأحلام .

الحُلم الذي اعترض طريقي فجأة دون تخطيط أو سعيٍ مسبق ، ولكنها هدايا الله وهباته ، تتفوق حتى على أقرب أمنياتنا وأكبر نطاقات خيالاتنا.

أُهدي هذه التدوينة إلى الحياة القصيرة التي عشتها هُنا إلى المرة الأولى من كلّ الأشياء ، إلى الأشخاص الذين لا يشبهون غيرهم والأوقاتِ التي مضت متعجلة قبل أن أمتلئ بكل شيء.

شكرًا لفريق العمل لكلّ فردٍ فيه ، لهم هم الذين كانوا يعتنون بأدقّ تفاصيل المكان حتى يبدو كل شيء بهيًا وزاهيًا ، يليق بأقرأ يليق يـ I read ، شكرًا على الروح الواحدة التي تفرّقت بينهم بنفس القدر من الحب والسماحة والتفاني في العطاء.

شكرًا لهم ثانية لأنّهم استطاعوا الحصول على " مصباح علاء الدين " كيف ومن أين لا أدري. لكنّه كان لديهم. أنا متأكدة

فقد كنّا في مواعيدٍ مختلفة مع الدهشة والمفاجآت ما تمنيناه يومًا وما لم نتمناه.

منذ فترة أفكّر في اقتناء حاسوب جديد واكتشفتُ وجود نفس الرغبة عند غيري من المشتركات ، فكانت دهشتنا الأولى هُنا أنه كان هدية استقبالنا فور دخولنا إلى غرفنا

تعبر إحدانا في حديث عابر - غير مقصودٍ تماماً - عن رغبتها في تواجد " مأكولات خفيفة " في الاستراحة ، لتفاجأ بوجودها في اليوم التالي حاضرة أمامها.

أركز في المحاضرة التي يقدمها أحد الأساتذة ثمّ التفتُ يساري فجأة لأجد أحد الشعراء الذين أهتمّ بما يقدمونه يدخلُ إلى القاعة فأًصاب بالدهشة

وفي نفس اليوم مساء يدخلُ أحد المثقفين الذين طالما تابعتُ أطروحاتهم عبر " اليوتيوب " إلى القاعة فأصاب بدهشة تحوّلهم إلى واقعٍ أمامي.

تصلنا فجأة رسالة نصية بضرورة تواجدنا في الاستراحة ، ننزل على عجلِ لنكتشف بأننا على موعد مع إحدى مدربات " اليوجا "ٍ

نسافر الأحساء في رحلة استكشافية تاريخية ثرية ، نذهب إلى جمعية الثقافة والفنون لنحضر عرضًا مسرحيًا ، يغيّر تصوراتنا عن الفن المسرحي بشكلٍ جذري

نتعرّف على مجالات عديدة من المعرفة ضمن  اهتماماتنا وخارجها الفنون والآداب باختلافها شعرًا ورواية وقصة قصيرة وموسيقى وسينما ومسرح وغيرها من الموضوعات كالفلسفة والعمارة والأسطورة والخرافة والفانتازيا والأكوان المتوازية والعوالم المتعددة ، فتتسع آفاق الحياة في أعيننا وندرك ضيق المساحات التي نقف فيها وعليها.

يُشرف علينا نخبة من الرائدات والروّاد المتميزين ، فضّلهم الله بتجارب حياتية وقرائية زاخرة ، ورؤى فكرية مختلفة وفريدة ، أمسكوا قناديل الطريق لنا طوال الرحلة ، وبهم ازاداد ثراء التجربة ، وتضاعف نمونا.

كانت هذه هي مرتي الأولى في التواجد في المنطقة الشرقية ، ومرتي الأولى في مقابلة العديد من المثقفين والمثقفات في لقاءات ثرية طالما تمنيتُ حضورها ، مرتي الأولى والفريدة في دخول مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي والوقوف على وسائط المعرفة التي سيبدأ نشاطها فيه، كانت مرتي الأولى في الذهاب إلى المكتبة برفقة صحبة تفهم طقوسي الغريبة في القراءة وفي اقتناء الكتب بل وتشاركني إيّاها ، صحبة لطيفة لم أحتج لوقتِ طويل حتى أِشعر بأني جزءٌ منهم ، أني وبشكلٍ ما أعرفهم منذ زمنٍ طويل وفي مواقف عديدة ، كنّا عائلة أٌقرأ 2017.

وفوق كل ذاك الثراء كان لكلٍ واحد منّا انتصاره الصغير الخاص ، منّا من تغلّب على خوفه في الصعود على خشبة المسرح ، ومنّا من استطاع التعبير عن أحد أفكاره بنصٍ كامل لأول مرة ، منّّا من استطاع أن يخلق علاقاتٍ جيّدة كثيرًا ما فشل في خلقها ، ومنّا من استطاع الخوض في حواراتٍ مختلفة والتعبير عن رأيه الخاص فيها فضلاً عن إحاطتنا بثقافات بعضنا البعض القادمة من مختلف مناطق المملكة.

اليوم هو يوم العرض النهائي لنصوصنا أمام لجنة التحكيم ، حاولتُ أن أبقى هادئة قدر ما أستطيع ، فإن كان ولا بدّ من حلول النهاية فلتكن كما أريد لها أن تكون ، رائعة وباعثة للرضا فيّ ، نزلت بالمصعد ، ومررتُ بالصالة ثم جلستُ في انتظار دوري بوجود أستاذة سارة وأستاذة عايدة وزميلتيّ أمينة وحفصة والأستاذ فايز ، خف توتري  بوجودهم وبكلمات أستاذ فايز الداعمة والواثقة ، حان دوري ، اتجهتُ إلى منصة المسرح ، ثبتّ اللاقط ، ألقيتُ السلام وبدأت ، ألقيتُ النصّ الذي انهمكتُ الأيام الماضية في إعداده ، النص الذي كنتُ أرغب كتابته منذ فترة طويلة ولم أجد فرصة مناسبة ، النص الذي يعبّر عن مروري بتجربتين إنسانيتين أثرتا فيّ كثيرًا وأردتُ التعبير عنهما ، وانطلقتُ فيه من عبارة سجلتها ذات مرة على هامش رواية " رام الله " لمريد البرغوثي فكتبت " ما الذي يعنيه أن يكون المكان مكانك وألاّ يكون كذلك ؟ "

فكانت هذه العبارة أمّ النصّ وابنته ، وبعد انتهائي منه واجهتُ أسئلة اللجنة ثمّ وأنا في طريقي للخروج كان انتصاري العظيم هو علامات الاحتفاء التي رأيتها مرتسمة في وجوه الرائدات والروّاد ، أكفهمّ الممتدة تقول : لقد أبليتِ بلاءً حسنًا.

شكرًا أستاذ طارق

شكرًا أستاذ فايز

شكرًا أستاذ فيصل

شكرًا أستاذ تميم

شكرًا أستاذ ياسر

شكرًا أستاذ نوري

شكرًا أستاذة مريم ، شكرًا أستاذة حنان ، شكرًا أستاذ عبد العزيز ، شكرًا أستاذة عايدة ، شكرًا أستاذة وضحى ، شكرًا أستاذة نوف ، شكرًا أستاذة لبنى ، شكرًا أستاذة شيماء ، شكرًا أستاذة منيرة ، شكرًا أستاذة أسماء ، شكرًا أستاذة ياسمين ، شكرًا أستاذة شروق ، شكرًا أستاذ عمر ، شكرًا حتى يبلغ شكري منتهاه بالدعاء بأنّ يجزيكم الله عني خير الجزاء.

شكرًا أستاذة سارة منذ اليوم الأولِ حينما كنتُ في مكة في غرفتي ثمّ فتحتُ هاتفي النقّال لأجد " مجموعة الواتساب I read المرحلة الجامعية " التي أنشأتها بحماسة حتى أستوعب أنّ الحلم غدا حقيقة واقعة ، منذ لم تسمحي بالحواجز بيننا أن تكون ، فلا أنتِ الرائدة ولا نحن القارئات الصغيرات وإنما أنتِ أختنا وكلنا معينٍ يستفيد من الآخر ، شكرًا على احتمالكِ المُحِب  لكلّ التّعب الذي أثقلتُ به عليكِ عند كتابة النص والتدريب عليه ، وعلى إنصاتك المهتم بهواجسي ومخاوفي ، شكرًا على الإيمانِ والثقة ، شكرًا لأنكِ كنتِ أجمل مما توقعنا والحمد لله عليكِ وأحبكِ 

وأخيرًا ها نحنُ نحزم أمتنعتنا الكثيرة بما جاد علينا به المكانُ هُنا ، أمتعتنا التي جئنا بها ، ومعارفنا التي اكتسبناها ، كتبنا التي اقتنيناها ، وانتصاراتنا الصغيرة التي حققناها

ونأخذَ كلّ الشيء إلا المكان ، إلاّ أشخاصه وأشياؤه ، نأخذ كل شيء إلاّ بعضنا ، هكذا نتبعثر ونعودُ من حيث أتينا وكأننا ما التقينا.

وها هي النهاياتُ تحلّ كأحد مخاوفي الأصيلة أتناول فطوري هنا لآخر مرة ، أغلق باب غرفتي لآخر مرة ، أمشي في الرواق حتى آخره لآخر مرة ، وأفعلُ الأشياء كلها لآخر مرة إلاّ الالتفاتة الأخيرة ، التي تُراكم الغصص في حنجرتي  والدموع في عينيّ أتجاهلها ، وأمضي ، أسرع في خطواتي ، وأهرب من كلّ ما يشدني إلى الوراء . وداعًا آلّ المكانِ سلامًا على أرواحكم وانتهى كل شيء



الجمعة، 25 أغسطس 2017

المكتبة في أقرأ 2017

" إلى من قطف الكلمة من شتى حدائق المعرفة ولم تكفيه ، رحلة في البستان لعلها ترضيه "
وصلني بريدي على جناح حمام الدهشة الزاجل ، حمام أقرأ ، حمامُ الحُلمِ الذي لا زلتُ ارتوي من كفيه ، وبكل البهجة أقلّب ناظريّ في تفاصيله الماثلةِ أمامي ، ما تخيّلته ذات يوم وما لم أتخيّله حتى اليوم.

جنّة القارئ في الأرضِ مكتبة ، لا يهمّ اسمها ولا مكانها ولا حجمها ولا عدد الكتبُ بها ، يكفيهِ أن يدخل إليها ، أن يُصاب بالدهشة أمام الأبجدية الواحدة التي يحفظها جيّدًا ، ولكنها ومع كلّ رفّ وفي كلّ كتاب تمنحهُ فضيلة إدراكِ أنه لم يعرف شيئًا ، لا يعرفُ شيئًا ، وسيعرفُ أشياءَ كثيرة.

دخلنا إلى جنة المتنبي ، مكتبة المتنبي ، إحدى المكتبات العظيمة في مدينة الدمام ، دخلنا إليها جمعًا ثمّ صرنا أشتاتًا وكلٌ في فلكه يسعى ويبحث ، كلّنا كان ذاك القارئ العاجز ، التائه ، العاجز أمام كلّ هذه المعارف والعلوم ، العاجز إذ يغرق بينها وهو يُدركُ جيّدًا أنّ هذا الغرق هو احتمال نجاتِه الوحيد ، التائه إذ يمتدّ بصره في كلّ الاتجاهات ولا يدري من أين يبدأ وإلى أين سينتهي.

كلٌ كان يُمارسُ طقوسه الخاصة دون أن يشعر أنه نتوءٌ شائهٌ في وجه العالم ، فالكلُّ حولك يعرف أنّك قارئ ، لا تحتاجُ لنظارتين تثبتان أهليّتك لممارسة طقوسك في اقتناء كتابٍ ما ، الكلُّ حولك يفهم سبب صرخة الاحتفاء المفاجئة التي تُطلقها لتعبّر عن عثورك عن كنزك الخاص ، ذاك الكتابُ الذي أمضيت وقتًا طويلاً في البحث عنه ، ثمّ هو وبكل زهوٌ يتجلّى بمكرماتهِ عليك إذ تجده ، الكلُّ حولك يقدّر تصرفك العاديّ جدًا إذ تُمسك كتابا وتقلّب صفحاتِه سريعًا بمحاذاةِ أنفك حتى تنتشي برائحته وهي تنتشر رويدًا ، رويدًا في صدرك ، والكلُّ حولكَ سيصرخٌ مغتبطًا بإنجازك العظيم لأنّ حصيلتك من الكتب تجاوزت ميزانيتك وقدرتك المالية ، لن يوبخك أحدٌ منهم بدعوى التبذير وإضاعة المال ولكنك حتمًا ستكون مستهدفًا ، ومحط أنظار الجميع أيُّها القارئ الثريُّ بما تملك ، الغنيُّ بكتبك.

وإذا كانت جنّة القارئ مكتبة ، فنعيمهُ فيها أنّ يكون الكلُّ حوله مشابهون له في عاديّته ، يقدّرونها ، يفهمونها ، وتكون كل صرخة دهشة يُصدرها أحدهم مقطوعة يكملها الآخر دون أن يمرّ صمتُ اللادهشة ، كنشازٍ يُفسدُ كل ذاك النعيم.

كان اقتنائي  لديوان الأهلة للشاعر محمد عبد الباري تحيّة دخولي إلى تلك الجنة وحينَ تجاوزت كتبي الميزانية المسموحة كان لزامًا عليّ الاستنغناء عن بعض الكتب ، ففعلتها وأنا أتوجّع وأسأل الله العوض فيما استغنيتُ عنه ، وكان آخر كتابٍ أبقيته بحوزتي هو العمل التطوعي بين الواقع والمأمول ، لتكون حصيلتي مزيجًا بين الأدب ( رواية وشعرًا ) والمعارف المتعلقة بتخصصي ( علم النفس والمعارف الاجتماعية ).

خرجنا من تلك الجنة متّجهاتِ إلى " مكتبة القهوة " أحد المقاهي لنتممّ صورة القارئ الذي يحمل بإحدى يديهِ كتابًا وبالأخرى كوبًا من القهوة والمتعة.
تجربة تواجدي في أقرأ هي إحدى تجاربِ العُمرِ الذي يمنحنا نُضجًا لا يتأتّى بغيرها ، في أقرأ عرفتُ أنّ القارئ شخصٌ عاديٌ جدًا ميزتُه الفريدة أن يعرفُ أنه لا يعرف وقدرته الخارقة الوحيدة أنه لا يحتاجُ كتابًا ليقرأ ، ولكنّه يُجيدُ الولوج إلى العمق الكامن خلف الأشياء وفي قلب العالم ، يُتقن حرفة صناعة التأويلات المتعددة لكل ما يقرؤه ، وتستثيرهُ كلّ علامات الاستفهام للبحث عن إجاباتها المحتملة.


الثلاثاء، 22 أغسطس 2017

فعلُ الكتابة في أقرأ 2017


" أعتقد أنّ الكتابة ليست فعلاً سهل التطويع ، إلى حدّ أن يكون زادك الوحيد فيه هو موضوع نهبك إياه لتقبض عليه بيديك ، وليست فعلاً سهل التطويع حتى يتجلّى لك الموضوع بين طرفين ، بين استفهامين ، بين الدجاجة والبيضة ، بين الشاعر والموسيقى.
فعلُ الكتابة لا تطوّعه محاولاتك المستميتة ، ولا رغبتك الهزيلة ، فالكتابة هي احتشاد مشاعرك وتدافع أفكارك ، هي ألا تجد حيلة تخفف وطأة هذا الاحتشاد والتدافع غير أن تمسك قلمًا وتتدفّق على ورقة "

كان هذا إحدى نصوصي لفقرة " لُقيا الصباح " الفقرة الصباحية التي يُعرض فيها أحد النصوص الأدبية ، ويُطلبُ منّا التعليق عليه إمّا بالنقد مثلاً أو الإكمال أو الرد أو كيفما كان توظيفنا للفكرة ، فالمهم أن ننجح في التغلب على بياض الورقة المُربك ، وأن تتمرس أقلامنا في سعيها من سطرٍ إلى آخر تواليًا خلال 10 – 20 دقيقة ، وأن تكتسب أفكارنا لياقة التواردِ متى استدعيناها.

وأرى أنّ لهذه الفقرة فاعليتها بالنسبة لي ، أنا التي لم أتصالح قط مع الكتابة تصالحًا كاملاً ، أعقدُ معها فتراتٍ من الهدنة وحين أعتقدُ أنّ كلّ شيء يسير على ما يُرام ، وأنّ لهذه المدوّنة بين أيديكم أن تحصلُ على أمانِ إثرائها بين الفينة والأخرى ، ثمّ وفي منتصف الطريق ، يسقطُ القلمُ على الأرض ، وأفقد لياقة الانحناء لالتقاطه ، ويأبى بياض الورقة إلاّ أن يكونّ بياضًا فجًا غير قابلٍ للسعي ولا للمرور عليه. ثمّ بكلّ بساطة تنتهي الهدنة.
ومن الواضح الآن أنّ الهدنة في منتصفها ، وأضمن استمرارها إلى وقتٍ طويلٍ إلى حدٍ ما ، بفضل تجارب الكتابة التي أخوضها في ملتقى أقرأ ، ففضلاً عن فقرة " لُقيا الصباح " هأنذا أكتبُ التدوينة السابعة خلال شهرٍ واحدٍ بعد انقطاعي عن الكتابة مدة سنة كاملة.

وهذا لرغبتي في الحفاظ على تفاصيل التجربة بوجودي في أقرأ ، فذاكرة الورق لا تشبه ذاكرتي العصيّة ، القصيّة ، ذاكرتي التي تقرر كثيرًا أن تحتفظ بانتصاراتي في أحلك زواياها ، فأضيع قبل أن أستدلّ على الطريق ، ذاكرتي التي تغتالُ وجوهُ العابرين اللطفاء متى احتجتُ حضور أطيافهم ليبددوا خيبتي بالبعض حولي ،  ذاكرتي التي تقرر أحيانًا أن تحتفظ بأوجاعي وهزائمي حاضرة لكن بعيدة حتى لا تطالها يدُ النسيان وتأخذها بذنب الوأد، تلك ذاكرتي التي لا أثقُ بها ، أما ذاكرةُ الورق لا تخوننا أبدًا ، الأمرُ يُشبه كتابة المذكرات ، كعادة تحفظُ عقودَ العمر الواحد المنبتّ ، وتجاربهُ الثريّة خيبة وبهجة ، حقيقة تثبتَّ للقادمين من بعدنا أنّا كنّا يومًا هنا.

أحبُّ أن أكتب ، وأهابُ أن أكتب ، وأريدُ أن أكتب ، وأهربُ إذ جئتُ أكتب ، فرصة ثالثة يهبي إيّاها الملتقى حتى لا تكون أسطري مستقبلاً مضطربة كهذا السطرِ الذي لم يعرف بعد موقفي منه ، أأحبه أم أهابُه ، أأريدهُ أم أرفضه.
فبعد الغد سنسلّم نصوصنا النهائية التي سنقدمها في نهاية الملتقى كتعبيرٍ عن أكثر الأفكار التي تنتمي إلينا ، عما نريدُ الإفصاح به أمام الآخرين ، كتبتُ نصًا أولاً لم أرضَ عنه ، لُغته باهتة ، وخدوشه كثيرة ،  فركنتُه جانبًا وبدأتُ من جديد ، أنهيتُ النص الثاني ، ولا أدري كيف سيكون وقعهُ على الحضور ولجنة التحكيم ، لكن يكفيني أني وضعتُ النقطة الأخيرة فيه ثمّ اتكأتُ على الكرسيّ وأومأتُ برأسي قائلة : تبدو جيّدًا كفاية لتخرجَ إلى النور.

أخيرًا قالت رضوى ذات يوم تعبيرًا عنها ، وعني " أكتب ما لا يرضيني ، وما يرضيني يفوق قدرتي على الكتابة "
لا أعدُ أحدًا بأنني سأكتبُ دائمًا ، لا أستطيع حتى أن أعد نفسي ، ستظلُّ علاقتي بالكتابة إلى أجلٍ غير مسمّى ،  هي محاولاتي في أن أكتبُ سطرًا / نصًا واحدًا أتخفف به وأرضى عنه.

الجمعة، 18 أغسطس 2017

الثراء في ملتقى الإثراء




إحدى أمنيات القراء المتكررة هي مقابلة الكتّاب ، كاتب مفضّل أو كاتب ذكي في طرحه أو مبدع في أسلوبه ولغته، أو كاتب يمتلك إجابات سلسلة التساؤلات التي تتخلّق فينا إثر قراءة نصوصه.
لكن ما الذي يحدث عندما تنقلبُ الآية ، فتتحقق الأمنية قبل أن تتمناها وتضعها في قائمة طويلة لا ضمان أو شروط ليستحيل ما فيها إلى واقع ، أن ترى الكاتب – قبل أن تعرفه - أمام عينيك ويحوم قريبًا منك في الأرجاء ، يتحدث فتُعجب بما يقول ، وتستمتع بما يطرح ، وتجلًّ منطقه في التفكير وتصفّق لأفكاره التي تُلامسك.
ثمّ تكتشف أنّه كاتب ولأنّك قارئ تلح عليك الآن حاجتك في أن تقتني كلّ كتبه ، وتقرأها في نفس الوقت وتناقشه في مضمونها وقد تطلبُ توقيعه كذكرى عظيمة تحتفظ بها ضمن أسرار مكتبتك تشهدُ على الأمنية التي تحققت قبل أن تكون أمنية.
هُنا تحديدًا أصفُ ما شعرتُ به بعد معرفتي للأستاذ محمد آيت حنّا المغربي كأحد الأساتذة القائمين على ملتقى أقرأ ، قدّم اليوم لقاء ثريًا عن علاقته بفعلي القراءة والكتابة من خلال طرحه لأفكار مؤلفه الذي يحملُ عنوان " مكتباتهم " والذي قررتُ فعلاً اقتناءه بعد انتهاء الملتقى لكن وببالغ الأٍسف لن أحظى بتوقيعه.
وهو يتحدث في الكتاب عن المكتبات الخاصة لبعض القراء كابن سينا والجاحظ وابن بطوطة وكيليطو وأفلاطون وغيرهم ويخلق فكرة جديدة استلهمها من نظام مكتباتهم ورؤاه الخاصة.
وقد أكّد الأستاذ محمد في دوره كقارئ على ضرورة حالات الانفلات التي تحدث لقارئ أثناء قراءته ، عندما تتعدد الأصوات والمشاهد في رأسه وقد تكون في غير سياق قراءته ، ويشبّه الأمر ، بفظاعة أن تشاهد فيلمًا فتكون منهمكًا بقراءة الترجمة كلمة كلمة وتركز في الأحرف حرفًا حرفًا ، فتضيع منك متعة المشاهدة وعيشها ، وهكذا يرى فظاعة أن تركز في النص المقروء بأحرفه ونقاطه وتشكيله وتتجاهل عوالم التأويلات والحياة التي يمكن أن تتجسد في ذهنك.

وفي حين دار في خلدك أن تستخدم  تلك العوالم المتخلقة في ذهنك لتمارس الكتابة ، كتابة خاطرة أو نص أو ربما قصة قصيرة.
لا داعي لأن تتخبط بين جدران حيرة البدء وترتاب من تساؤلات الكتابة ، ففي ملتقى أقرأ ، يحسبون كل شيء بدقة ، قليلاً ما يخطؤون في تبديد حيرتك أو إخماد وهج تساؤلاتك دون أن يدلوك على اتجاه الطريق في أقلّ تقدير ، وقد جاء بعدها الأستاذ خالد الصامطي كاتب القصص القصيرة ، ليحدثنا عن ماهيّة القصة القصيرة وعناصرها وتجربته في كتابة القصص ، وأجاب عن تساؤلاتنا فيما يخص هذه النوع الأدبي وفيما يخص ممارسة الكتابة.

ولأني لم أقم بالتدوين يوم أمس ولا قبله ، فسأطرحُ هنا نبذة بسيطة عما فعلناه في اليومين الماضيين.
بالأمس فُتح أمامي كتابُ التاريخ  الذي درسته منذ المرحلة الابتدائية وحتى الصف الثالث متوسط تقلبت صفحاته، وتذكرتُ إخفاقاتي المتتالية في تحقيق نتيجة مرضية في هذه المادة.
أعتقد لو كانت علاقتي مع التاريخ أفضل من ذلك ، لكنتُ أكثر استمتاعًا وفهمًا لرحلة الأمس التي ذهبنا فيها إلى مدينة الأحساء.
فكانت أول زيارة لنا في بيت المُلا = بيت البيعة وهو البيت الذي نزل فيه الملك عبد العزيز – رحمه الله – عندما قدم لمبايعة أهل الأحساء.
ثمّ ذهبنا للمدرسة الأولى في الأحساء التي أطلق عليها بعد ذلك بالمدرسة الأميرية نظرًا لكثرة الأمراء الذين درسوا فيها كالأمير خالد الفيصل وأحد إخوته ، ما كان يُميّز تلك المدرسة أنّ مدرسوها كانوا يقومون بهذه المهنة النبيلة دون مردود مادي وابتغاء وجه الله فقط ولمّا علم الملك عبد العزيز – رحمه الله – بأمرها زارها وقرر أن يلحقها بمدارس المملكة النظامية.
ومن الأمور التي تستحق الذكر أنّ راتب المدير فيها آنذاك كان 100 ريال والفرّاش 12 ريال وما بينهما الوكيل والمعلمون.
ثمّ ذهبنا إلى جبل قارة كأحد المعالم التاريخية السياحية الموجودة في المملكة التي يتراوح عمرها من 23 مليون إلى 5 مليون سنة ويرتفع بمقدار 225 مترًا فوق سطح البحر ، ومن الجدير بالذكر هنا أنّه يُمكن أن تعيش قصّة " علي بابا " ومغارة الكنز التي تواجد اللصوص فيها كحقيقة ، فالمغارة الموجودة هنا توفر إمكانية مثول الخيال كواقع ، بممراتها الضيقة وحجارتها المتماسكة والساقطة لتسدّ عليكَ الطريق ، غير أنّه لن تلدغك حيّة هنا ولن تفزع من كثرة الخفافيش ، فالمغارة خالية تمامًا من كل الحيوانات والحشرات.

أمّا فيما يخص قبل الأمس فقد كان الحديث بحضرة الأستاذ محمد القاسم عن الأكوان المتعددة واحتمالية أن يكون هناك نسخة أخرى منك في عالمٍ موازٍ آخر ، لها نفس قدرك وحياتك أو العكس من ذلك  والذكاء الاصطناعي والتعامل مع هواجس السؤال : ماذا لو تفوّقت الآلة على الإنسان الذي ما فتئ يبحث عن أسباب راحته وهنائه بصناعتها وتطويرها وبرمجتها ؟
ثمّ قدّمت لنا الأستاذة نورا النومان لقاء عن أدب الفانتازيا والخيال العلمي والفروقات في طرح كلٍ منهما في الساحة الأدبية فالفانتازيا مثلاّ هي الخيال المحض الموظف في الأدب والخيال العلمي هو ما يستند على أسس ومنطلقات علميّة بالفعل لكن بتوظيفها في سياقات الخيال ومستويات التطور فيه، وعبّرت عن كونها كاتبة فانتازيا موجهة لليافعين محاولة إثراء هذا المجال لما وجدت فيه من شحّ خلال تجربتها في اقتناء بعض الكتب العربية لأبنائها.

وأخيرًا إذا ما سُئلتُ عن مجال المعرفة التي أستقيها هنا سأجيب : أني آخذ من كل بحر قطرة ومن كل بستان زهرة ، ملتقى أقرأ يهبني المفاتيح ، وأقرر أنا البحث عن الأبواب واستكشاف ما خلفها.
كم تجربة كملتقى أقرأ يُمكن أن يعيش الإنسان في عمره الواحد ؟ وبما أني لا أملك الضمان في الإجابة.

أكتفي باعتقادي بأنّ العمر الواحد ، تُثريه تجربة ملتقى أقرأ واحدة، وها أنا بفضل الله أعيشها.

الثلاثاء، 15 أغسطس 2017

اليوم الثالث في ملتقى أقرأ 2017




" كلكم شعراء " أنا شاعرة .. نعم ، كنتُ أعرف هذا منذ زمنٍ ، أعرفُ هذا عندما أكتب أو أقرأ أو أقدّم برنامجًا ، أعرفُ جيّدًا أن لحظات الاختناق التي تمر في حياتي هي المنفذ الأول حتى تتنفس الشاعرة فيّ.
لكني كنتُ أواري سوأة هذه الخواطر المارّة ، حتى لا تفتضح سذاجتي في عالمٍ يُقرّ بالعقل ومنطقه أكثر من القلب وعاطفته ، أما اليوم امتلكتُ جرأة الجهر بها ، لأنّ الدكتور سعيد السريحي منحني الفرصة في ذلك و قال بصوتِ جهور و واضح ، كلنا شعراء ! كان هذا عنوان محاضرة اليوم الثالث من الملتقى " كلكم شعراء ".
حيث تحدّث عن الشعر كممارسة إنسانية تحدث كل يوم ، فمثًلا الأمّ المفجوعة في أحد أبنائها شاعرة : فهي لا تستطيع أن تعبّر عن فجيعتها ، بكلمة رتيبة وبسيطة لتقول : أنا حزينة. وكم يبدو الحزن باردًا أمام فاجعة كهذه.
لكنّما شدّة الفاجعة ستجعلها تستخدم عبارات من قبيل : انفطر قلبي ، اسودت الدنيا في عينيّ.
قلبها حقيقة لم ينفطر ، والدنيا حقيقة لا زالت بنفس ألوانها ولم تسودّ ، لكنه الإنسان الشاعر في أكثر حالاته الشعورية شدة وأحلك مآزقه أو أعمق لحظات تخففه وتحليقه وسعادته.

وحتى يحضر الشعر نحتاج فقط أن يوجد الإنسان ويتجلّى الجمال.

فالشعر نظرتُك التي فقدت بريقها ، والشعر رقصتُك في احتفال ما ، والشعر شوقك حين تحتضن اللقاء ، والشعرُ طفلكَ وهو يحاول حفظ الأسماء ، والشعر فرحتك ولهفتك وبؤسك وشقاؤك ونعيمك.

وكم كنتُ مفتونة بكل ما كان يقوله الدكتور سعيد وهو يدغدغ فيّ قداسة الشعر لديّ ، وهو يمنحني الحق في أن أكون شاعرة ، أنا التي لم أنظم في حياتي بيتًا واحدًا ، أنا التي تكلل خيبة التعبير لحظات استغاثتي باللغة أحيانًا. شكرًا دكتور على كلِ ما قلته وكلّ ما أرويتني به شكرًا لأنك قلتَ عبارتين لا زالتا ترنان في أذني ( الشعر يقف بيننا وبين ما يخالط الحياة من قبح ) ، ( الشعر هو مقاومة الإنسان للموت ).

والآن أذكر صوت الأستاذ عمر وهو يقول لنا بعد انتهاء المحاضرة : اصعدن إلى غرفكن واحزمن أمتعتكن ، حتى ننطلق جميعًا إلى أجمل مكان في المنقطة الشرقية ، ويبدو أن مشاركي أقرأ بدؤوا يفهمون قواعد اللعبة ويسبرون أغوار المفاجآت ، ويعدّون استنتاجاتهم الصائبة ، لكنهم لم يستطيعوا بعد أن يحجبوا أنوار الدهشة عن أعينهم ، أدركتُ ذلك وأنا أسمع تكرار كلمة " وااااو " من الجميع منذ وصولنا إلى أجمل مكان في المنطقة الشرقية ، منذ وصولنا إلى مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي وحتى خروجنا منه.

ولتكن فاتحتي في الحديث عنه الآن " وااااااو "
واو: ونحن نسمع الأستاذة نوف حين أخذتنا في جولة ابتدأتها بعبارة ، انظروا إلى الأعلى  ، لو تم إخراج أنبوب واحد من أنابيب السقف سيصل ما بين مدينتي الدمام والرياض.
واو: ونحن ندخل مكتبة المركز المكوّنة من 4 أدوار لكلٍ منها قصة وحكاية ففي الدور الأول مثلاً تقدّم خدمات القراءة والتعلم للأطفال بغرف خاصة مغلقة وأخرى مفتوحة ويوجد متحف للطفل هو الأول من نوعه.
واو : ونحن نسمع الأستاذ طارق الخواجي حين قال أنّ لدينا شاشة بانورامية نادرة في وجودها في المكتبات حول العالم ونضع الكتاب عليها فتنبثق حكايته ماثلة أمامكم ، من سبقت له مشاهدة فيلم العصور الذهبية للمسلمين سيعرف ما أعنيه.
واو : وهو يقول لنا أن هذا الدور – الدور الثاني – يسمى بالفضاء الاجتماعي ، حيث تُكسر فيه القاعدة المتعارف عليها في المكتبات
( هدوء / الرجاء عدم الإزعاج ) وهنا منطقة للأكل وشرب القهوة وهناك منطقة للنوادي والمجموعات القرائية ، ثم يشير إلى بعض الصناديق الزجاجية ليقول : أنها ستحوي الكتب العالمية التي توجد بنسختها الأولى والنادرة.
واو : ونحن نرى الشاشات الذكية وأرفف المكتبة الفريدة في تصميمها والمقاعد المتعددة والمميزة.
تسألُ إحدى المشاركات الأستاذ عن موعد افتتاح المكتبة ليقول الأسبوع القادم سنبدأ برصف الكتب وتجهيز المكتبة وسيكون افتتاحها بداية السنة الميلادية الجديدة.

يتحسّر البعض لأنه يقطن في الرياض ولا يقطن في المنطقة الشرقية ، فقلتُ لهن بكل حزن : ما حيلة من يقطن في المنطقة الغربية إذن !
فهذه المرة الأولى التي أزور فيها المنطقة الشرقية ولا أدري إن كانت ستتكرر زيارتي خلال السنوات المقبلة.

وبعد انتهاء جولتنا أطلقنا الوااااو الأخيرة حينما دخلنا إلى قاعة السينما ذات الكراسي الملونة في مدرجاتها ، جلسنا وتمّ عرض فيلمين سعوديين قصيرين حصريين علينا.
الأول كان بعنوان : لا أستطيع تقبيل وجهي.
والثاني بعنوان : فضيلة ألاّ تكون أحدًا.

قراءتي للفيلم الثاني هي كالآتي: 

-        الغرباء هم سطر خاطرة فاضحة لهواجسك لوجعك أو ضعفك أو رفضك أو غضبك ، بعد أن انتهيت من كتابته ، قررتَ مسحه تمامًا وكأنك لم تكتبه ، الآن لا دليل يُدينك ولا تهمة ستُلقى على عاتقك.
لأن الغرباء هم عابرو الطريق ، الوجوه التي نراها ثمّ لن نراها ولذلك لا يُريبنا معهم البوح ولا الإفضاء.
ماذا لو قررتَ أن تبوح بوجعك أو ضعفك أو رفضك أو غضبك أو هواجسك ، لشخصِ يعرفك جيّدًا ، خطورة الأمر تكمن في أنّه سيكون سطر خاطرة يستعصي على الحذف والإلغاء ، لن تُفلت من قيود الإدانة ، فأنت قد اعترفت والاعتراف هو سيد الأدلة.
-        أتذكر آخر شخصٍ غريب جلس بجانبك في صالة انتظار أو مقعد طائرة أو قطار ، أتذكر كل القصص التي أفضى إليك بها أو ربما أوجاعه التي تلاها عليك ، أعطني دليلاً واحدًا يُثبت أنّ كل ما قاله لك هو تجربة قدّ مر بها شخصيًا ولم يكذب عليك بقصة شخصٍ آخر انتحلها هو لأي غرض في نفسه وأخبرك بها على أنه صاحبها.
حسنًا ما الذي يعنيه أصلاً أن يكذب الغرباء علينا أو يصدقوا معنا ؟ طالما أنّ ما قالوه هو تجربة إنسانية إن لم تكن لهم فحتمًا قد حدثت مع غيرهم.
هكذا قرأتُ الفضيلة التي أشار إليها صاحب عنوان الفيلم " فضيلة ألاّ تكون أحدًا "

وأخيرًا نهضنا من على مقاعدنا ، إيذانًا بموعد الرحيل ، ماذا حدث عند الخط الفاصل في بوابة المركز ، الخط الذي لفظ أرجلنا اليُمنى أولاً خارجه وفي حين حاولت أرجلنا اليُسرى أن تثبت نفسها داخل المركز ، لفظها هي الأخرى ، تقطبت الحواجب وانكمشت الوجوه ، هل كان السبب فعلاً حرارة الشمس ولهيبها أم كان تعليقًا أبديناه حتى نواري حزننا من انتهاء هذه التجربة. انتهى اليوم الثالثُ هنا.


ملاحظة : تقضم تدوينتي حق المركز في وصفه ، لذلك اطلعوا على الموقع الالكتروني الذي يخصه ، حتى تدركوا حجم القفزات الثقافية و المعرفية التي تحدث لدينا.