لم أدرك قبل عقد ونيف وأنا أتعلم أولى الأبجديات " أ "
الحرف الأول من اسمي ثم أقول لأمي مستنكرة لما ألف أرنب ، ألف أًصالة أجمل وأفضل
وبعد ذلك لا ضير في أن نقول " باء " بطة نطت نطة ... ، " تاء
" تاج فوق الراس ...
لم أدرك حينها أنّ هذه الأحرف التي حفظتها مُكرهة ومتضجرة هي مفاتيح
الحياة التي سأعيشها تعلّمًا وتجربةً وأحيانًا نجاح وكثيرًا فشل.
وأن هذه الأحرف نفسها قد تكون صوتي حينما أختنق بالكلمة فلا أجدّ
مهربًا منها إلا إليها حين أكتب.
وها أنا أهرب وها أنا أكتب.
قامة العلم طويلة أغبط كثيرًا كل الذين اقتربوا من علوها وأحار كيف
اتسع العمر لهم ليبلغوا منها ما بلغوه ، وهل سيكفيني عمري لأحذو حذوهم وأنا التي
أرى أنّ العمر أقصر من أن يبلغ نهاية الرحلة .
ثمّ ذات قراءة وأنا أتجوّل في رحاب " المسلكيات " كتاب لا
تتجاوز عدد صفحاته المئتين لكن الثراء بين جنبيه عظيم ، عظيم ، يتحدث الكاتب :
إبراهيم السكران في الفصل الأوّل عن العلم وطلبه وأهمية السعي في تحصيله ، وفي هذه
الصفحات وقفتُ على قصة " النووي " رحمه الله الذي عاش 27 عامًا متعلمًا
، عالمًا ، معّلمًا ، ولآخذ بتلابيب الدهشة بشدة أكثر ، فقد بدأ هذه الرحلة منذ 19
من عمره وبلغ نهايتها في 45 أو46 من عمره.
كيف اتسعت له هذه السبعة والعشرون عامًا ليكون ذلكّ كله ؟ لا أستطيع دفع الحيرة ، فمتى بدأ يتعلم ؟ ثم متى
شعر بأنه مؤهل كفايّة لُيعلم ؟ وبعد ذلك متى بدأ التصدي للتأليف والتصنيف والتحقيق
في كتب اللغة والفقه والحديث والتراجم ؟
أبحث عنه " انترنتيًا " لأجد أنه يوصف بكونه محرِّر المذهب الشافعي ومهذّبه، ومنقحه ومرتبه، و استقر العمل بين فقهاء الشافعية على ما يرجحه
النووي.
كم عامًا في بطن الـ 27 عاشها ؟
وجدتُ إجابة سؤالي تفصيلا في تتمة القصة في المسلكيات ، لأدرك أنه
قضى ستة سنوات أولية في طلب العلم ثم
أعقبها مباشرة بالتأليف وتعدد نتاجه
العلمي.
يقول أحد العلماء فيه " النووي جعل تأليفه وسيلة للتحصيل وطلب
العلم وجعل طلبه وتحصيله للعلم في صيغة مؤلفات فورًا ، أي أن تقييداته أثناء طلب
العلم يجعلها في صيغة مؤلفات ، بدلاً من أن تذهب مقيدات الشباب سدًى "
وبعد ذلك لم أستطع الإفلات من قبضة فكرة ساذجة استحوذت عليّ لبرهة
" ربما كانت الأوقات في ذلك الزمن مضاعفة أو يعيشون مثلا 25 ساعة في اليوم أو
26 أو 27 أو ... أخيرًا ألجم فم هذه الأفكار الغبية التي تراودت إلى ذهني شخصية معاصرة
،عرفتها منذ يومين.
د. عادل با ناعمة في أحد البرامج المقامة في جامعتي كانت المرة الأولى
التي أراه فيها لأُعجب بعلمه وفكره وسلامة لغته وبلاغته و و و .... بارك له يا رب
فيما رزقته وزده من فضلك.
فوجدتني من جديد بفضول المعجب أبحث عنه لدى " عم قوقل "
العم الموسوعي الذي يعرف الجميع ليُجيبني
ابنه ( ويكيبيديا ) بالعجب العجاب:
·
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى ـ كلية اللغة
العربية ـ قسم اللغة والنحو والصرف.
·
عميد معهد تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها
منذ عام 1430هـ .
·
عضو مجلس إدارة نادي جدة الأدبي
.
·
عضو الجمعية العمومية لنادي جدة الأدبي
.
·
إمام وخطيب جامع محمد الفاتح بجدة
.
·
عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية
.
وغير ذلك من العضويات
·
إجازةٌ في كتاب الشمائل المحمديةِ من الشيخ أبي
الزاهد محمد سرفراز خان.
·
إجازة في الصحيحين والسنن الأربعة والموطأ ومسند
أحمد ومسانيد أبي داود الطيالسي والحميدي وأبي يعلى الموصلي وعبد بن حميد والبزار،
والسنن للدارمي، والسنن الكبرى للنسائي، وسنن الدارقطني، وسنن سعيد بن منصور،
ومصنفي عبدالرزاق وابن أبي شيبة وصحيحي ابن خزيمة وابن حبان والمستدرك للحاكم
وغيره امن دوواوين الحديث من فضيلة الشيخ العلامة محمد الحسن ولد الددو.
·
دورة المقدّم المخرج في التقديم التلفزيوني، مع
الدكتور ماجد عبدالله.
·
دورة مهارات الحوار التلفزيوني مع الأستاذ أحمد
منصور- معهد الجزيرة للتدريب.
·
دورة مهارات تركيز الصوت، مع الأستاذ أحمد
قرقناوي.
وغير ذلك من المهارات والمعارف.
بعد هذا كله توقعت أنه بلغ من العمر50 أو أكثر قليلاً ، لكني فوجئت
عندما وجدت تاريخ مولده بأنه لم يبلغ 43 من العمر !
إجابة عمّ قوقل كانت صارخة وهازئة في ذات الحين أثبت لي أنّ عقارب
الساعة لم تفلت يومًا من قبضة إطارها ولم تمتلك القدرة على التمرد على الزمن (24
ساعة ) في أي عصرٍ أو حين.
لم أتكبد عناء البحث عن سيرته العلمية أكثر فالكتاب كم يقولون
" واضح من عنوانه وأضيف وعمره وإنجازاته "
إليّ وإلى كلّ أولئكِ الذين يعتقدون بأنّ العمر يستطيع تحمّل كلفة
تقسيمه وتجزئته وتوزيعه ، وأنّ العلم والعطاء المبنيّ عليه ينتظمان في صفّ سير لا
يجوز لأحدهما فيه أن يتقدم على الآخر وأنّ أداء مهمة التكليف في عمارة الأرض قدّ
خصّ الله بها نخبة وصفوة معينة.
هذه الأوهام تقضم العمر شيئًا فشيئًا حتى ينقضي دون بصمة يخلّدها جبين
زمنٍ عشت فيه ، فيا بن التاسعة ويابن الخامسة عشر ويا أبناء العشرون وما بين هذه
الأرقام ، نقّب عن ملكاتك وهبات الله لك ، واسع حثيثًا للنهل من عين العلم في مجالٍ
تحبه أو تهتم به وفي غيرهما إن استطعت ، وكن عصى العلم -التي يهتدي بها الآخرون ، بقدرتك على إيصال صوتك أو حرفك أو رسمك أو ما
قدّر الله لك من إمكانيات.
وتذكر أنّ المعرفة التي تحتبس في أقفاص عقلك ميتة لا روح فيها إلى أن
تُحييها بإطلاقها في الوجود وفي عقول الآخرين.
اقرأ وجرّب وحاول وحاور واسمع وتحدّث فالعلم غاية تتعدد وسائلها وتتنوع مصادرها ويتسع أفقها.
أعتذر للأرنب الذي آثرتُ ذكر اسمي على اسمه بكل أنفة وهو الذي تعلمت
منه كيف أجري وألعب وشكرًا للبطة التي علمتني " بنطتها " كيف أتجاوز
العقبات وأتعلم من كبوي والعثرات.
اللهمّ علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا .