أتأسّى باللغةِ حينَ أقرَأ الأدبَ وأصغِي للقَصِيدة.

الخميس، 8 يناير 2015

صديقة الـ 19 فسيلة !

بالنسبة لي كانت من أفضل مخرجات برنامج " هندسة الخلود " هذه العبارة المُلهمة للكاتبة : آن لاموت
” أعتقد بأن هذا هو ما يُفترض أن نكون عليه في العالم، حاضرين وخاشعين "
منذ أن وقعت بصيرتي عليها وقت إعداد لقاءات البرنامج وأنا أشعر  بحاجة مُلحّة تتخلّق وتتحرك في أحشاء فكري ، تُعبّر عن حاجتها للخروج ولإصدار صرخة ميلاد تُثبت وجوديتها المُدرَكة والمعبرة عن شفافيّة الفكرة و وضوحها.
لكن أنّى لها هذا قبل أن تقضي شهور نُضجها وتصل إلى مخاضها  جاهزة للخروج على أيّ شاكلة.
في حين نضجها كنت أتساءل :
كيف يُمكن أن أكون حاضرة وخاشعة في العالم ؟ وهل أنا غائبة لأحتاج لمثل هكذا حضور ؟ وقبل هذا وذاك ما جدوى الحضور  ؟

وبينما أنا  أتأرجح ما بين الحضور في الغياب والغياب في الحضور ، بينما كنت مُنهمكة في تصنيف أبجديات المعنى ، فساعة أرجع إلى جذر الكلمتين وأخرى أخلق سياقًا يهبني إجابة أو سؤالاً آخرًا يفضي إلى  نقضيها أوَ ليست الأشياء تمتاز بأضدادها ؟!
في منتصف كل ذلك وهبني إجاباتي انتشلني من براثن سؤالاتي " نورٌ على نور "
هداني الله إلى النور . إلى الجـمانُ أو الجمال لا فرق ، يتعدد الوجهان والنعمة واحدة من عند الكريم الجواد ، يا للفضيلة !  يهبني الله أولى هبات الـ19 فسيلة !
أحدثكم عن الجُمان ، عرفتها في بدايات دراستي الجامعية في أويقات الوحشة من عظمة المكان وغرابته حينما كنتُ أبحث عن نافدة ألج منها إلى الإئتلاف والإنتماء لهذا الصرح الذي لم يستطع مدّ جذوره فيّ.
وجدتها فحان مخاض تلك الحاجة المتحركة، وجدتها فكانت الإجابة ومرآة نقضيها ، وجدتها فكانت إحدى النوافذ وأول جذر يستدل طريقه إلي.
تُتُقن الحضور وتمارس الحياة بكل يقظة و وعي بعيدًا عن الغياب ، يعرف الجمال طريقهُ إليها فإن هي يومًا ضلت طريقه لا تلبث أن تجده من فوقها ومن تحتها عن يمينها وعن شمالها ، تمامًا هالة من نوره تُحيطها.
أفلا يُقال في عاميّتنا " الصاحب ساحب "
نعم هي تسحبني من غيابي بكل خفة إلى حضورها في كل مرة أقابلها فيها أجد نفسي مُراقِبة لها في أبسط تفاصيلها وكأنني أتلقى منها دروسًا في فنّ " ممارسة الحياة حضورًا "
جمانة تُحب الذرة !
وعندما تأكلها فهي تعطي كل حبة حقها الذرة ترسم على ثغرها ابتسامة وجمانة تهب الذرة السعادة ، لأنها تُشعرها بالحب لأنها تأكلها بانتباه ومتعة وحضور .
عندما تمشي برفقتها في أروقة الجامعة وساحاتها تنتبه لإستثنائية الفتاة الحُبلى ، قدسية فكرة أن الروح يمكن أن تُطوى على أخرى ، تنتبه لحلوى القطن الفريدة في السماء  ،وأحيانًا قد تكون وسائد جيدة تُخفي وجهك المحزون في عمقها فتتعلم أن الحزن خاصية إنسانية إزدواجية قد تجرحك لكن دموعها قادرة وبجودة على مداواتك ومداواة الأرض. في أحايين أخرى قد تجعلك تصدق خرافة " بساط علاء الدين " خرافة ؟ من يستطيع دحض فكرة " طيران الروح " أو تقويض أجنحتها ؟!
ها هي ذي أيضًا تملك قدرة تحويل الخرافة إلى حقيقة !
وبمناسبة الحديث عنها، نسيت إخباركم أيضًا أنّ الطفلة فيها تكبر معها أعتقد أنّ بينهما عهدًا أو ما شابه ذلك .
تخبرني أحيانًا عن رغبتها بالقفز من سور الجامعة ، وأحيانًا أخرى تطلب مني أن أركب عربة نقل الحاجيات لدى العاملات لتقوم هي بدفعي وغيرها من الرغبات التي أرفض دائما تنفيذها بدعوى " الحفاظ على بريستيج الطالبة الجامعية "
جمانة متصالحة مع الحياة هي بالأصل تحيا لا تعيش فقط ، كل يوم أتعلّم معها سياسات تطبيق هذا الصلح ، كل يوم أحاول أن أتعاطى مع آنية اللحظة والحياة بالحب والرضا كما تفعل هي تمامًا أن أكون حاضرة بالروح وبالجمال في كل وقت وكل حين دون أن أترك مجالاً لجاذبية الماضي أو المستقبل لشطري بينهما فأغيب وأكون عدم الحاضر و وهمه.

بالنسبة لي جمانة هي حامل المسكِ الذي أخبرنا عنه رسولنا عليه صلوات الله وسلامه.وأؤمن أن أيامي الممتلئة بها ستكون ممتلئة بالريح الطيبة.
الرائع أننا نتشارك ذات التخصص الجامعي.

هذه التدوينة كانت ميلادًا للفكرة التي أدركتها ، شكرًا آن لاموت .