يبدأ معك كل شيء عندما تتقدّم!
كل خطوة هي اجتثاثٌ من جذورك ونفيٌ عن أرضك
المباركة، كلما ارتفعت ساقك عن الأرض تزداد ضربات قلبك، يتآكّلك خوفك من الداخلٍ
شيئًا فشيئًا.
تنظرُ تارة إلى موضع قدميك محاولًا تتبع خطواتك المستمرة والتي لا تتوقف، من أين لها هذه الشجاعة؟!
تنظرُ تارة إلى موضع قدميك محاولًا تتبع خطواتك المستمرة والتي لا تتوقف، من أين لها هذه الشجاعة؟!
تارة أخرى تنظرُ إلى الأمام الذي تذهب
إليه مستمرًا وخائفًا، وهذا القلق المستعرُّ في نظراتك وحده يملكِ القدرة على
مساءلتك، محاسبتك، مواجهتك بأسئلة فجة وصارخة عن الجدوى؟ وعن القدرة؟ وعن ضماناتِ
الوصول؟
لا زلتَ تخطو إلى الأمامِ، لا زلتَ
تتقدم!
وأشياؤك وأشخاصك يتساقطون منك إلى
الوراء، إنك تذهب لكنك وحدك ..
الغربة، أزعم أنها شيء يشبه ذلك يا
أصدقاء.
أو هكذا شعرت منذ الليلة الأولى التي بتُّ فيها
في الرياض عندما تركني والدي هناك عائدًا إلى مكة، في إيذانٍ أوّل بأنّ كل ما
سأعيشه لاحقًا نتائج وتبعات أوجدها قراري في
الدراسة بعيدًا عن العائلة والصديقات.
حدثت أشياءُ كثيرة منها ما أذكر
تفاصيله ومنها ما نسيته، لكن بالشعور أذكر جيّدًا وحشتي:
- في الليلة الأولى في سكن المغترباتِ،
الذي يحرسُه حارسٌ لا أعرفه.
- في اليوم الأول الذي مشيتُ فيه وحدي من
كلية الآداب حتى المكتبة المركزية وأنا أتذكرني محفوفة بالصديقات كل يوم مضى في
جامعة أم القرى.
- في المرة التي قررتُ فيها أن أعمل
وأتحمل مسؤوليات استقراري وحياتي كاملة في الرياض.
-في إجازة العيد الوطني التي لم تتسنى
لي فيها فرصة العودة إلى مكة، فذهبتُ إلى مكتبة جرير في محاولة تجاهل الغصة التي شعرت
بها، ليصلني اتصال من أخي تنهار معه كل دفاعاتي فأنخرط في البكاء(أنا لحالي هنا،
أبغى أكون معاكم، أبغى أجيكم مكة).
كلّما
نظرتُ إلى المرآة بعد ذلك، وجدتُ شيئًا فيّ يتغيّر، كنتُ كمن يعيد ترتيب الحياة
بداخله ويحاول مرة تلوَ الأخرى اكتشاف مساحاتٍ أوسع وأرحب أبتكر فيها معانٍ جديدة
لكلمات طالما بهتت من فرط تردادي لها( المسؤولية، المواجهة، الشجاعة، الطمأنينة،
الحب، العائلة، الأصدقاء ...).
الشجرة
كانت تكبر وتنضج على هذا النحو، أخيرًا استطاعت أن تتمدد بجذورها في أرضٍ مختلفة.
هذا شيء من ملامح الحكاية والحياة
آنذاك، أمّا على مستوى المرحلة الدراسية أريد أن أطرح الأسئلة وإجاباتها في آنٍ
واحد لأنّي أدركُ تمامًا بأن ذلك الشخص الذي سيأتي باحثًا عن إجاباتٍ تطمئنه وتهدهد
مخاوفه وهواجسه في أحد لياليه الدراسية، يريدها واضحة، مباشرة وصريحة.
*ما الذي دفعك لإكمال دراستك؟ ولمَ لم
تكن الوظيفة خيارك الأول؟
توظفت مؤقتًا في الفترة الانتقالية بين
انهائي لمرحلة البكالوريوس وتقديمي على الماجستير، وكانت تلك الفترة حاسمة لخروجي
منها ببعض القرارات والتي كان أولّها أني أنتمي للعالم الأكاديمي أو أحبّه بمعنى
أدق، وأجد نفسي كثيرًًا فيه، احتكمت في ذلك إلى معيار قيمي الخمسة العليا والتي
يأتي العلم تعلّمًا وتعليمًا في قمتها، ثمّ إلى اهتماماتي المبكّرة في القراءة
والبحث وإعداد المواد العلميّة المكتوبة، وأخيرًا إلى معيار شغفي بتخصصي وتفوقي
فيه بفضل الله، واعتقدت بعد الاستشارة والاستخارة أنّ هذا قد يكون كافيًا لأتقدّم
بشجاعة للمجال الأكاديمي.
* كيف كانت ليلةٌ اليوم الدراسيِّ الأول؟
كعادتي منذ 16 عامًا أمضيتها بلا نوم،
وظللت أبحث عبر شبكة الانترنت عن مدونات أو قصص لأشخاص خاضوا تجربة دراسة
الماجستير، حتى أطمئن قليلًا حين أعرف مخاوف من سبقني في هذه المرحلة وجدتُ بعض
القصص المطوّلة، لكنّ أكثر ما وجدته كان في تويتر عبر وسم #أولى_ماستر #نصيحتك_لطالب_ماجستير_مستجد
ولهذا كان قراري أني أيضًا سأكتب تدوينة أصف فيها تجربتي علّها تطمئن أحدهم
يومًا ما.
* بعد مُضي ليلتك الأولى والعديد من
الليالي الدراسية حتى إنهائك للسنة الأولى في دراسة الماجستير، هل وجدتِه صعبًا؟
وفي جامعة الملك سعود تحديدًا؟
لا. الحمدلله لم يكن صعبًا لكنه كان
مُتعبًا ولا سعيَ دون جهدٍ وتعب. بالنسبة لجامعة الملك سعود تحديدًا، فأعترفُ أني
كنت أملك تجاهها العديد من المخاوف من بداية تقديمي نتيجة ما كان يصلني عن ارتفاع
معايير القبول ومعايير الدراسة العلمية، لكن تجاوزتُ كل ذلك بفضل الله و وجدتُ أني
مؤهلة للدراسة فيها وكل مجتهد كذلك.
*كيف استطعت إذن توظيف وقتك
لمواجهة ذلك التعب ؟ لأنّ أكثر ما يُذاع عن هذه المرحلة أنها تغرق الدارسين غرقًا
لا ينجو معه وقتهم، فلا شيء سوى الدراسة.
صحيح هذا أكثر ما قرأته أيضًا في تويتر
ليلة الدراسة الأولى وتخيّلتُ حينها أني لن أجد وقتًا أحكّ فيه شعر رأسي كما
يقولون!
لكن دائمًا كان هناك وقت، ربما أيضًا
لأني أدرس بعيدًا عن الأهل والأصدقاء مما يعني انعدام الالتزامات والمسؤوليات
الاجتماعية وفائض كبير من الوقت، فكنتُ أجد وقتًا لإنجاز بحوثي وللاستذكار،
وللتواصل مع الأهل والأصدقاء ومشاهدة التلفاز ..
وعلى كل حال أعتقد أنها مسألة أولويات
ومفاضلة بين الخيارات، يحدد فيها الشخص الأهم فالمهم فالأقل أهمية، مع اضطراره
أحيانًا للتضحية والتنازل المؤقت عن أشياء ذات أولوية.
*كيف كان تعامل أعضاء وعضوات هيئة التدريس؟
كما يكونون في كل زمان ومكان! منهم
المرن والمتعاون والمتفهم لمخاوف الطلبة لاسيما في البدايات ومنهم من هو على العكس
من ذلك يميل إلى الجمود وفرض أرائه الشخصية وتضييق نطاق التفكير والإبداع العلمي
لدى الطلبة.
منهم من قدّم لنا نموذجًا رائعًا
للشخصية الأكاديمية كباحث وكعضو هيئة التدريس ومنهم من كان دون ذلك.
مع ذلك كانت النماذج الجيدة غالبة
الحمد لله.
* بعد إنهائك للسنة الأولى ماذا بقي لك؟
وما السمات المميزة لهذه المرحلة؟
بقي لي فصل دراسي واحد منهجي (أدرس فيه
مقررات) وبعدها أبدأ في إجراءات تسجيل الرسالة ثم كتابتها بإذن الله.
السمات المميزة لهذه المرحلة بالنسبة
لي كانت كالتالي:
-
قلة عدد المقررات مقارنة بالبكالوريوس(
كل فصل دراسي فيه 4 مقررات).
-
جهد مكثف من البحث والقراءة لإعداد
البحوث والمواد العلمية لعروض المقررات.
-
إن كانت المحاضرات الدراسية خلال يومين
فلابدّ أن يكون اليوم الثالث لارتياد المكتبة لساعات مطوّلة، وإن كانت خلال 3 أيام
فلابدّ أن يكون اليوم الرابع للمكتبة.
* هل اخترتِ موضوع رسالتك؟
لا، ليس بعد. وهذا أمر عادي وطبيعي
جدًا حتى هذا الوقت.
لأنّ أكثر النصائح تكرارًا في بداية
هذه المرحلة كانت(لازم تختاري موضوع رسالتك من بدري، لا تخلص السنة الأولى وانتِ ما
اخترتي،...) وجملة من العبارات التي تعزز القلق وتجعلك تشعر بأنك لن تنال وثيقة
التخرج إن انتهى عامك الأول قبل اختيارك للموضوع بل والمشرف!
كلما كان الاختيار باكرًا فهذا يوفّر
وقتًا بل وجهدّا أحيانًا على الطالب، لكن مع ذلك فكل هذا الوقت من حقّ الطالب في
التروي والاختيار حتى انتهاء فصوله الدراسية المنهجية تقريبًا.
أخيرًا كان شعار المرحلة بالنسبة لي:
أخيرًا كان شعار المرحلة بالنسبة لي:
عندما أطللتُ على هذه المرحلة من شرفة
محمد عبدالباري
وجدتُها كما يقول:
ستجيء سبعٌ مرة فلتخزنوا.. من حكمة
الوجع المصابر سكرا
سبعٌ عجاف فاضبطوا أنفاسكم .. من بعدها
التاريخ يرجع أخضرا
والسبع العجاف دائًما ما يتلوهنّ سبع
مورقات، فأتأمل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق